للمعتكف إذا كان في مصر يُجَمَّع فيه أن لا يَعتكف إلا في مسجد الجامع؛ لأنهم كَرِهوا الخروج له من مُعْتَكَفه إلى الجمعة، ولم يَرَوا له أن يترك الجمعة، فقالوا: لا يعتكف إلا في مسجد الجامع حتى لا يَحتاج أن يخرج من معتكفه لغير قضاء حاجة الإنسان؛ لأن خروجه لغير حاجة الإنسان قَطْعٌ عندهم للاعتكاف، وهو قول مالك، والشافعيّ، وقال أحمد: لا يعود المريض، ولا يتبع الجنازة، على حديث عائشة، وقال إسحاق: إن اشترط ذلك فله أن يتبع الجنازة، ويعود المريض. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن ما قاله الإمام أحمد - رحمه الله - من العمل بحديث عائشة - رضي الله عنها - هو الأرجح؛ لقوّة حجته، وسيأتي تمام البحث في ذلك في "كتاب الاعتكاف" - إن شاء الله تعالى - والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج المذكور أولَ الكتاب قال:
[٦٩٢]( … ) - (وَحَدَّثَنِي (١) هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأيْلِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِث، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْر، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُخْرِجُ إِلَيَّ رَأْسَهُ مِنَ الْمَسْجِد، وَهُوَ مُجَاوِرٌ، فَأَغْسِلُهُ، وَأَنَا حَائِضٌ).
رجال هذا الإسناد: ستة:
١ - (عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ) بن يعقوب الأنصاريّ مولاهم، أبو أيوب المصريّ، ثقةٌ فقيهٌ حافظٌ [٧](مات قبل سنة (١٥٠)(ع) تقدم في "الإيمان" ١٦/ ١٦٩.
٢ - (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ نَوْفَلٍ) الأسديّ، أبو الأسود المدنيّ، يتيم عروة، ثقةٌ [٦](ت سنة بضع و ١٣٠)(ع) تقدم في "الطهارة" ٩/ ٥٧٣.
والباقون تقدّموا، فهارون وابن وهب تقدّما في الباب الماضي، والباقيان في السند الماضي.