والدُّفعة منه ليس في اليد، بخلاف الهيئة، فإنها قائمة بجميع ذاتها، بدليل أنه لا يجوز لها مسّ المصحف.
وقال الخطابيّ - رحمه الله -: المحدّثون يقولون بفتح الحاء، وهو خطأٌ، وصوابها بالكسر، أي الحالة والهيئة. انتهى.
وأنكر القاضي عياض هذا على الخطابيّ، وقال: الصواب هنا ما قاله المحدّثون من الفتح؛ لأن المراد الدم، وهو الحيض بالفتح بلا شكّ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليست في يدك"، ومعناه أن النجاسة التي يُصان المسجد عنها، وهي دم الحيض، ليست في يدك، وهذا بخلاف حديث أم سلمة - رضي الله عنها -، "فأخذت ثياب حِيضتي"، فإن الصواب فيه الكسر. انتهى كلام القاضي عياض - رحمه الله -.
قال صاحب "المنهل": والوجه الذي أشار إليه النوويّ، هو أن عائشة - رضي الله عنها - كانت تعلم أنه ليس في يدها نجاسة الحيض التي يُصان عنها المسجد، وما امتنعت عن إدخال يدها في المسجد إلا لعلمها أن الحالة العارضة لها من الحيض قد حلّت في يدها، ولذا أجابها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بأن هذه الحالة التي هي كونها حائضًا إنما عَرَضَت لها باعتبار مجموعها لا باعتبار أجزائها، فلا يقال: اليد حائضة حتى يصان عنها المسجد. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: الذي يظهر لي أن كلا الوجهين، أعني الحيضة بالفتح، والْحِيضة بالكسر جائز على التقرير الذي سبق، فلكلّ منهما وجه صحيح، أما الفتح فواضح، وأما الكسر فبالتوجيه الذي قرره صاحب "المنهل"، وهو أنها ظنّت أن الهيئة، وهي الحالة العارضة لها حلّت بيدها، وأنها تمنعها من إدخال يدها، فردّ عليها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بأنها تمنع من دخول جملتها، لا دخول بعض أجزائها.
والحاصل أن كلًّا من الفتح والكسر وجه صحيح، فتأمله، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
(١) "المنهل العذب المورود في شرح سنن أبي داود" ٣/ ٤١.