للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في الثَّفْر (١) لم تدخله؛ تنزيهًا للمسجد عن النجاسة.

وعلّقته طائفة أخرى بقولها: "قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، أي قال من المسجد: ناوليني الخمرة، أي فهو على التقديم والتأخير، وعليه المشهور من مذاهب العلماء أنها لا تدخل المسجد، لا مُقيمةً، ولا عابرةً؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا أُحل المسجد لحائض، ولا جُنُب" (٢)، وبأن حدَثَها أفحش من حدث الجنابة، وقد اتُّفِق على أن الجنُب لا يَلْبث فيه، وإنما اختلفوا في جواز عُبُوره فيه، والمشهور من مذاهب العلماء مَنْعُهُ، والحائض أولى بالمنع.

قال القرطبيّ: وَيَحتمل أن يريد بالمسجد هنا مسجد بيته الذي كان يتنفّل فيه. انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: تعليق قوله: "من المسجد" بـ "ناوليني" هو الذي يظهر لي، كما فهمه الأئمة: أبو داود، والترمذيّ، وابن ماجه، فترجموا عليه بـ "بابُ ما جاء في الحائض تتناول الشيء من المسجد"، ولأن تعليقه على "قال" يؤدّي إلى دعوى التقديم، والتأخير، كما تقدّم في كلام القرطبيّ، وهو خلاف الأصل، ولا ينافيه ما يأتي بعد حديث من قولها: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، فقال: يا عائشة ناوليني الثوب … " الحديث؛ لأنّ هذه واقعة أخرى، فتأمل، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

(قَالَتْ) عائشة - رضي الله عنها - (فَقُلْتُ: إِنِّي حَائِضٌ)، أي لست ممن يَحِلّ له دخول المسجد، ولو بجزء منه، وذلك لظنّها أن جميع أجزائها لا يدخل فيه، (فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ردًّا عليها هذا الظنّ ("إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ") "الحَيْضة" بفتح الحاء المهملة: المرّة الواحدة من دُفَعِ الحيض، وبالكسر الهيئة من الحيض، وهي الحالة التي تلزمها الحائض، من التجنّب، والبعد عما لا يحلّ للحائض، كالْجِلْسة، والقِعْدة، من الجلوس، والقعود، والأول هو الصحيح المشهور في الرواية، كما قاله النوويّ، وهو المناسب من جهة المعنى، فإن سيلان الدم،


(١) "الثَّفْر" بفتح، فسكون: هو ما تشُدّه المرأة على فرجها لتمنع به سيلان الدم.
(٢) حديث ضعيف، أخرجه أبو داود برقم (٢٣٢) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٣) "المفهم" ١/ ٥٥٨ - ٥٥٩.