للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال ابن منظور - رحمه الله -: والْخُمْرة: حَصِيرة، أو سَجّادةٌ صغيرةٌ تُنْسَج من سَعَفِ النخل، وتُرَمَّل بالخيوط، وقيل: حَصِيرة أصغر من المصلِّي، وقيل: الْخُمْرة: الحصير الصغير، الذي يُسْجَد عليه.

وفي الحديث: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - "كان يَسْجُد على الْخُمْرة"، متّفقٌ عليه، وهو حَصِيرٌ صغيرٌ قَدْرَ ما يُسْجَد عليه، يُنْسَج من السَّعَف، قال الزجاج: سُمِّيت خُمْرَةً؛ لأنها تَستُر الوجه من الأرض (١).

وقولها: (مِنَ الْمَسْجِدِ) اختُلِف في متعلّقه، فذهب بعضهم إلى أنه متعلّق بـ "قال"، أي قال لها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قولًا مبتدأ من المسجد، وإليه ذهب القاضي عياض، وقال: معناه أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال لها من المسجد، أي وهو في المسجد لتناوله إياها من خارج المسجد، لا أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تُخْرِج الخمرة من المسجد؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان معتكفًا في المسجد، وكانت عائشة في حُجرتها، وهي حائض؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن حيضتك ليست في يدك"، فإنها خافت من إدخال يدها المسجد، ولو كان أمَرَها بدخول المسجد لم يكن لتخصيص اليد معنًى.

وذهب بعضهم إلى أنه متعلّق بـ "ناوليني"، وبه قال الخطّابيّ والأكثرون، وهو الذي ترجم عليه الأئمّة: أبو داود، حيث قال: "باب الحائض تتَنَاول من المسجد"، والترمذيّ، حيث قال: "باب ما جاء في الحائض تتناول الشيء من المسجد"، وابن ماجه، حيث قال: "باب الحائض تتناول الشيء من المسجد"، ثم أوردوا حديث عائشة - رضي الله عنها - هذا دليلًا على الحكم، فدلّ على أن المعنى عندهم أنها ناولته الخمرةَ التي داخل المسجد؛ لكونها قريبةً من الباب تَصِل إليها يدها، وهي في الحجرة.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: وقد اختُلِفَ في هذا المجرور الذي هو "من المسجد" بماذا يتعلّق؟ فعلّقَته طائفةٌ بـ "ناوليني"، واستدلّوا به على جواز دخول الحائض المسجد للحاجة تَعْرِضُ لها؛ إذ لم يكن على جسدها نجاسةٌ، ولأنها لا تُمنَعُ من المسجد إلا مخافة ما يكون منها، وإلى هذا نحا محمد بن مسلمة من أصحابنا (٢)، وبعض المتأخّرين إذا استثفرت، ومتى خرج منها شيء


(١) "لسان العرب" ٤/ ٢٥٨.
(٢) يعني المالكيّة.