وخلاصة القول أن الراجح قول من قال بجواز قراءة القرآن للحائض والجنب، وهو - كما قال في "الفتح" - مذهب البخاريّ، والطبريّ، وابن المنذر، واحتجّوا بحديث عائشة - رضي الله عنها - المذكور.
لكنه مع ذلك يُكره؛ لحديث:"إني كرهتُ أن أذكر الله إلا على طهر"، قاله في ردّ السلام، فالقرآن أولى من السلام، لكنه لا يُنافي الجواز، وقد أشبعت البحث في "شرح النسائيّ"(١)، فراجعه، تستفد، وبالله تعالى التوفيق.
[تنبيه]: حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعًا:"لا يقرأ الجنب، ولا الحائض شيئًا من القرآن"، رواه أبو داود، والترمذيّ، وابن ماجه، ضعيفٌ؛ لأنه من رواية إسماعيل بن عيّاش، وروايته عن غير أهل بلده ضعيفة، وهذا رواه عن موسى بن عقبة، وهو حجازيّ.
وكذا حديث جابر - رضي الله عنه -، مرفوعًا:"لا تقرأ الحائض، ولا النفساء من القرآن شيئًا"، رواه الدارقطنيّ، ففيه محمد بن الفضل، وهو متروك، أو منسوب إلى الوضع، وقد رُوي موقوفًا، وفيه يحيى بن أبي أُنيسة، كذّاب، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في مسّ الجنب والحائض المصحف:
قال الإمام ابن المنذر - رحمه الله -: اختَلَف أهل العلم في مَسّ الحائض والجنب المصحف، فكَرِه كثير منهم ذلك، منهم ابن عمر، قال: لا يمس المصحف إلا متوضئ، وكره الحسن للجنب مس المصحف، إلا أن يكون له عِلاقة، ورُوِي ذلك عن الشعبيّ، وطاوس، والقاسم، وعطاء، وقال الحكم، وحماد في الرجل يَمَسّ المصحف، وليس بطاهر قالا: إذا كان في عِلاقة فلا بأس، وكره عطاء، والزهريّ، والقاسم، والنخعيّ، مس الدراهم التي فيها ذكر الله تعالى على غير وضوء.
وكره مالك أن يَحْمِل المصحف بعِلاقته، أو على وسادة أحد إلا وهو طاهر، قال: ولا بأس أن يَحمله في الْخُرْج، والتابوت، والغِرَارة، ونحو ذلك