للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفيه قول ثالثٌ، قاله محمد بن مسلمة، كَرِه للجنب أن يقرأ القرآن حتى يغتسل، قال: وقد أُرخِص في الشيء الخفيف مثل الآية والآيتين يتعوذ بهما، وأما الحائض ومن سواها فلا يُكرَه لها أن تقرأ القرآن؛ لأن أمرها يطول، فلا تَدَع القرآن، والجنب ليس كحالها.

قال ابن المنذر: احتج الذين كَرِهوا للجنب قراءة القرآن بحديث عبد الله بن سَلِمة، قال: دخلت على عليّ، فقال: كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يقضي الحاجة، ثم يقرأ القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يَحْجُبُه عن القرآن شيء، ما خلا الجنابة (١).

واحتَجَّ مَن سَهَّل للجنب أن يقرأ القرآن بحديث عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كل أحيانه (٢).

قال ابن المنذر: فقال بعضهم: الذكر قد يكون بقراءة القرآن وغيره، فكلُّ ما وقع عليه اسم ذكر الله فغير جائز أن يُمْنَع منه أحدٌ، إذا كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لا يمتنع من ذكر الله على كل أحيانه، وحديث عليّ - رضي الله عنه - لا يثبت إسناده؛ لأن عبد الله بن سَلِمَة تفرد به، وقد تَكَلَّم فيه عمرو بن مرة، قال: سمعت عبد الله بن سَلِمة وإنا لنعرف وننكر، فإذا كان هو الناقل بخبره، فجرحه بطل الاحتجاج به، ولو ثَبَتَ خبر عليّ - رضي الله عنه - لم يجب الامتناع من القراءة من أجله؛ لأنه لم يَنْهَهُ عن القراءة، فيكونَ الجنب ممنوعًا منه. انتهى كلام ابن المنذر - رحمه الله - (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي حقّقه ابن المنذر - رحمه الله - هو الحقّ الذي لا مَحِيد عنه.

والحاصل أنه لم يثبت في منع الجنب عن القرآن شيء يُعتدّ به، كما أوضحه العلماء، ومنهم البيهقيّ، والنوويّ في "المجموع"، فإنه ضعّف الأحاديث التي احتجّ بها المانعون.


(١) حديث ضعيفٌ، أخرجه أبو داود في: "سننه" ١/ ٥٩.
(٢) سيأتي للمصنف برقم (٣٧٣).
(٣) "الأوسط" ٢/ ٩٦ - ١٠٠.