للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واحتَجّ بعض من خالف هذا القول بأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يطوف على نسائه بغسل واحد، فدَلّ فعله هذا على أن المرأةَ إذا حاضت بعد جنابتها يجزئها غسل واحد، نظير ما فعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن المجامع عليه الاغتسال إذا جامع، فإذا عاوده أجزأه الاغتسال بالأول والآخر، وكذلك المرأة إذا أجنبت وجب عليها الغسل، فلما حاضت قبل أن تغتسل للجنابة أجزأها غسل واحد، كما أجزأ من جامع ثم عاد، فجامع غسل واحد.

ومن ذلك أن لا خلاف بينهم نعلم أن من بال فلم يُحدث وضوءًا حتى أتى الغائط، أو خرج منه ريح، أو كان ذلك كله منه في مقام واحد أن وضوءًا واحدًا يجزي عنه لذلك كله، وكذلك المرأة الجنب التي لم تغتسل حتى حاضت يجزيها غسل واحد. انتهى كلام ابن المنذر - رحمه الله - (١).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن القول بإجزاء الغسل الواحد للجنابة والحيض، هو الأرجح؛ لظهور حجته، ومن أقوى الحجج إجماعهم على أن من تعددت منه أسباب الحدث، من البول والغائط وغيرهما يجزيه وضوء واحد، فهذا مثله من دون فرق، فتأمل بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج - رحمه الله - المذكور أولَ الكتاب قال:

[٧٠٠] (٣٠٢) - (وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِثٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ، لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ (٢) فِي الْبُيُوت، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ [البقرة: ٢٢٢]، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَّاحَ"، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ، فَقَالُوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيه، فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ، فَقَالَا: يَا


(١) "الأوسط" ٢/ ١٠٤ - ١٠٦.
(٢) وفي نسخة: "ولم يجامعوها".