للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من الصحابة - رضي الله عنهم -، وذكر الطبريّ - رَحمه اللهُ - أن السائل هو ثابت بن الدَّحْدَاح، وقيل: السائل عبّاد بن بشر، وأُسيد بن حُضير، وعزاه القرطبيّ للأكثرين، ولا تعارض؛ لاحتمال أن يكونوا كلهم سألوا، كما يقتضيه ظاهر رواية المصنّف رَحمه اللهُ.

و"متعلّق "سأل" محذوف، أي عن ذلك، والمعنى أن الصحابة - رضي الله عنهم - سألوا عن حكم ما تفعله اليهود من إبعاد النساء عنهم كلَّ الإبعاد (فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى) جوابًا عن هذا السؤال: ({وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ}) أي الحيض، فالمحيض مصدر ميميّ، أي عن حكم الاستمتاع بالنساء زمنَ الحيض.

وقال النوويّ رَحمه اللهُ: المحيض الأول المراد به الدم، والثاني اختُلِف فيه، فمذهبنا أنه الحيض، ونفس الدم، وقال بعض العلماء: هو الفرج، وقال آخرون: هو زمن الحيض. انتهى (١).

(قُلْ هُوَ)، أي المحيض بمعنى الدم السائل، لا بمعنى السيلان، ففيه الاستخدام (أَذًى)، أي قَذَرٌ، وأصل الأذى ما يتأذّى به الإنسان، وكان دم الحيض أذًى؛ لقبح لونه، ورائحته، ونجاسته، وإضراره، والتنكير فيه للقلّة، كما قال البغويّ، أي أذًى يسيرٌ لا يتجاوز الفرج، وما قاربه، فلا يتأذّى به إلا من جامعها، زوج، أو سيّد، دون من آكلها، أو ساكنها (٢).

وقال القرطبيّ المفسّر رَحمه اللهُ: {قُلْ هُوَ أَذًى}، أي هو شيء تتأذّى به المرأة وغيرها، أي برائحة دم الحيض، والأذى كناية عن القذر على الجملة، ويُطلق على القول المكروه، كقوله تعالى: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: ٢٦٤]، أي بما تسمعه من المكروه. انتهى (٣).

(فَاعْتَزِلُوا النَّسَاءَ) أي ابتعدوا عنهن (فِي الْمَحِيضِ) أي في زمن الحيض، إن حُمل المحيض على المصدر، أو في محلّ الحيض، إن حُمل على الاسم، ومقصود هذا النهي ترك المجامعة لهنّ، قاله القرطبيّ (٤).

وقال القاري: يعني أن الحيض أذى يَتأذّى معه الزوج من مجامعتها فقط،


(١) "شرح النووي" ٣/ ٢١١.
(٢) "المنهل العذب المورود" ٣/ ٣٦.
(٣) "الجامع لأحكَام القرآن" ٣/ ٨٥.
(٤) المصدر السابق ٣/ ٨٦.