للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أنهم قالوا بوجوب الوضوء بمجرد خروجه، ثم رَدّ عليهم بما رواه من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عليّ - رضي الله عنه -، قال: سئل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن المذي؟ فقال: "فيه الوضوء، وفي المنيّ الغسل"، فعُرِف بهذا أن حكم المذي حكم البول وغيره من نواقض الوضوء، لا يوجب الوضوء بمجرّده. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "يغسل ذكره" ظاهر هذا أنه يغسل جميع ذكره؛ لأن الاسم للجملة، وهو رأيُ المغاربة من أصحابنا - يعني المالكيّة - وهل ذلك للعبادة، فيفتقر إلى نيّة، أو لقطع أصل المذي فلا يحتاج؟ قولان لأبي العبّاس الإتيانيّ، وأبي محمد بن أبي زيد، وذهب بعض العراقيين من أصحابنا إلى أنه يغسل موضع النجاسة فقط، ولم يختلف العلماء أن المذي إذا خرج على الوجه المعتاد أنه ينقض الوضوء. انتهى (٢).

[تنبيه]: هكذا وقع في رواية المصنّف: تقديم غسل الذكر على الوضوء، وهو الأولى، ووقع في رواية للبخاريّ تقديم الأمر بالوضوء على غسله، ولفظه: "توضّأ، واغسل ذكرك"، فقال في "الفتح": هكذا وقع في البخاريّ تقديم الأمر بالوضوء على غسله، ووقع في "العمدة" نسبة ذلك إلى البخاريّ بالعكس، لكن الواو لا تُرَتِّب، فالمعنى واحد، وهي رواية الإسماعيليّ، فيجوز تقديم غسله على الوضوء، وهو أولى، ويجوز تقديم الوضوء على غسله، لكن مَن يقول بنقض الوضوء بمسّه، يَشترِط أن يكون ذلك بحائل. انتهى.

قال الجامع عفا الله عته: هكذا عزا صاحب "الفتح" رواية تقديم غسل الذكر على الوضوء للإسماعيليّ، مع كون مسلم رواها، فكان الأولى له عزوها له؛ لأن هذا هو المتعارف لدى المحقّقين، كما لا يخفى، قال بعض الحذّاق:

قَاعِدَةٌ أَسَّسَهَا الأَعْلَامُ … وَمَنْ حَذَا خِلَافَهَا يُلَامُ

إِذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ يَرِدْ … أَوْ كَانَ فِي أَحَدِ ذَيْنِ قَدْ وُجِدْ

فَعَزْوُهُ لِمَا سِوَاهُمَا غَلَطْ … إِلَّا إِذَا بِعَزْوِ ذَيْنِ يُرْتَبَطْ (٣)

[تنبيه آخر]: قال ابن الملقّن - رحمه الله -: احتجّ بعض متأخري المالكيّة بقوله:


(١) "الفتح" ١/ ٤٥٣.
(٢) "المفهم" ١/ ٥٦٣.
(٣) "رفع الأستار" ص ٣٣.