للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(اعلم): أنه اختلفت الروايات في هذا الحديث، هل هو من مسند عليّ نفسه، أو من مسند المقداد، أو من مسند عمار - رضي الله عنهم -؟.

قال الإمام ابن حبّان في "صحيحه" (٣/ ٣٨٦): قال أبو حاتم: يشبه أن يكون علي بن أبي طالب أمر المقداد أن يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذا الحكم، فسأله، وأخبره، ثم أخبر المقداد عليًّا بذلك، ثم سأل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عما أخبره به المقداد، حتى يكونا سؤالين في موضعين مختلفين، والدليل على أنهما كانا في موضعين، أن عند سؤال عليّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمره بالاغتسال عند المنيّ، وليس هذا في خبر المقداد، يدلك هذا على أنهما غير متضادين. وقال أيضًا: قال أبو حاتم - رحمه الله -: قد يَتَوَهّم بعضُ المستمعين لهذه الأخبار، ممن لم يطلب العلم من مظانّه، ولا دار في الحقيقة على أطرافه، أن بينها تضادًّا، أو تهاترًا؛ لأن في خبر أبي عبد الرحمن السُّلميّ (١): "سألت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - "، وفي خبر إياس بن خليفة: "أنه أمر عمارًا أن يسأل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - "، وفي خبر سليمان بن يسار: "أنه أمر المقداد أن يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "، وليس بينها تهاترٌ؛ لأنه يَحتمل أن يكون عليّ بن أبي طالب أمر عمارًا أن يسأل النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فسأله، ثم أمر المقداد أن يسأله فسأله، ثم سأل بنفسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

والدليل على صحة ما ذكرتُ أن متن كل خبر يخالف متن الخبر الآخر؛ لأن في خبر أبي عبد الرحمن: "كنت رجلًا مذّاء، فسألت النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إذا رأيت الماء فاغتسل"، وفي خبر إياس بن خليفة: "أنه أمر عمارًا أن يسأل النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يغسل مذاكيره، ويتوضأ"، وليس فيه ذكر المني الذي في خبر أبي عبد الرحمن، وخبرُ المقداد بن الأسود سؤال مستأنف، فيسأل أنه ليس بالسؤالين الأولين اللذين ذكرناهما؛ لأن في خبر المقداد: "أن عليّ بن أبي طالب أمره أن يسأل رسول الله عن الرجل إذا دنا من أهله، فخرج منه المذي، ماذا عليه؟ فإن عندي ابنته"، فذلك ما وصفنا على أن هذه أسئلة متباينة، في مواضع مختلفة، لعلل موجودة من غير أن يكون بينها تضادّ أو تهاترٌ. انتهى كلام ابن حبّان - رحمه الله - (٢).


(١) هي في: "صحيح البخاريّ"، وليس في مسلم.
(٢) راجع: "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبّان" ٣/ ٣٩٠ - ٣٩١.