للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "الفتح" عند شرح قوله: "توضأ" ما نصّه: هذا الأمر بلفظ الإفراد يُشعِر بأن المقداد سأل لنفسه، ويَحتمل أن يكون سأل لمبهم، أو لعليّ، فوجَّه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الخطاب إليه، والظاهر أن عليًّا كان حاضر السؤال، فقد أطبق أصحاب "المسانيد"، و"الأطراف" على إيراد هذا الحديث في مسند عليّ - رضي الله عنه -، ولو حملوه على أنه لم يَحضُر لأوردوه في مسند المقداد، ويؤيِّده ما في رواية النسائيّ، من طريق أبي بكر بن عيّاش، عن أبي حَصِين في هذا الحديث، عن عليّ - رضي الله عنه - قال: "فقلت لرجل جالس إلى جنبي: سله، فسأله".

ووقع في رواية مسلم: "فقال: يغسل ذكره، ويتوضأ"، بلفظ الغائب فيحتمل أن يكون سؤال المقداد وقع على الإبهام، وهو الأظهر، ففي مسلم أيضًا: "فسأله عن المذي يَخرُج من الإنسان"، وفي "الموطأ" نحوه.

ووقع في رواية لأبي داود، والنسائيّ، وابن خزيمة ذكر سبب ذلك من طريق حُصين بن قَبيصة، عن عليّ - رضي الله عنه -: "قال: كنت رجلًا مذّاءً، فجعلت أغتَسِل منه في الشتاء، حتى تشَقَّق ظهري، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: لا تفعل".

ولأبي داود وابن خزيمة، من حديث سهل بن حُنيف - رضي الله عنه - أنه وقع له نحو ذلك، وأنه سأل عن ذلك بنفسه.

ووقع في رواية للنسائيّ أن عليّا قال: "أمرت عمارًا أن يسأل"، وفي رواية لابن حبان، والإسماعيليّ: "أن عليًّا قال: سألت".

وجمع ابن حبان بين هذا الاختلاف بأن عليًّا أمر عمارًا أن يسأل، ثم أمر المقداد بذلك، ثم سأل بنفسه، وهو جمع جيِّد إلا بالنسبة إلى آخره؛ لكونه مغايرًا لقوله: إنه استحيى عن السؤال بنفسه؛ لأجل فاطمة، فيتعين حمله على المجاز، بأن بعض الرواة أَطلَق أنه سأل، لكونه الآمر بذلك، وبهذا جزم الإسماعيليّ، ثم النوويّ.

ويؤيد أنه أمر كلًّا من المقداد وعمار بالسؤال عن ذلك، ما رواه عبد الرزاق، من طريق عطاء، عن عائش بن أنس، قال: "تذاكر عليّ والمقداد وعمار المذي، فقال عليّ: إنني رجلٌ مذّاءٌ، فاسألا عن ذلك النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فسأله أحد الرجلين، قال عطاء: وسمّاه عائش، ونسيته". انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: عائش بن أنس مجهول العين؛ لأنه لم يرو عنه