نظر، فقد صحّ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه طاف على نسائه، وهنّ تسع بغسل واحد، ولم يُنقَل أنه توضّأ لكلّ أيضًا، فتأمل، والله تعالى أعلم.
قال: وقد نَصّ أصحابنا أنه يُكره النوم والأكل والشرب والجماع قبل الوضوء، وهذه الأحاديث تدل عليه، ولا خلاف عندنا أن هذا الوضوء ليس بواجب، وبهذا قال مالك، والجمهور.
وذهب ابن حبيب من أصحاب مالك إلى وجوبه، وهو مذهب داود الظاهريّ، والمراد بالوضوء وضوء الصلاة الكامل.
وأما حديث ابن عباس المتقدم في الباب قبله في الاقتصار على الوجه واليدين، فقد قدّمنا أن ذلك لم يكن في الجنابة، بل في الحدث الأصغر.
وأما حديث أبي إسحاق السبيعيّ عن الأسود، عن عائشة - رضي الله عنها -: "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان ينام، وهو جنب، ولا يمس ماءً"، رواه أبو داود، والترمذيّ، والنسائيّ، وابن ماجه، وغيرهم، فقال أبو داود، عن يزيد بن هارون: وَهِمَ أبو إسحاق في هذا - يعني في قوله:"لا يمس ماءً" -، وقال الترمذيّ: يَرَون أن هذا غلطٌ من أبي إسحاق، وقال البيهقيّ: طَعَن الحفاظ في هذه اللفظة، فبان بما ذكرناه ضعف الحديث.
وإذا ثبت ضعفه لم يبق فيه ما يُعْتَرَض به على ما قدمناه، ولو صحّ لم يكن أيضًا مخالفًا، بل كان له جوابان:
[أحدهما]: جواب الإمامين الجليلين، أبي العباس بن سُرَيج، وأبي بكر البيهقيّ أن المراد لا يَمَسّ ماءً للغسل.
[والثاني]: وهو عندي حسنٌ أن المراد أنه كان في بعض الأوقات لا يَمَسّ ماءً أصلًا؛ لبيان الجواز؛ إذ لو واظب عليه لتُوُهِّم وجوبه. انتهى كلام النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -، وهو تحقيق حسن، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عائشة - رضي الله عنها - هذا متّفق عليه.