[وثانيهما]: أن الوطء ليس من قبيل ما شُرع له الوضوء، فإن أصل مشروعيّته للقُرَب والعبادات، والوطء ينافيه، فإنه للملاذّ والشهوات، وهو من جنس المباحات، ولو كان ذلك مشروعًا لأجل الوطء لشرع في الوطء المبتدأ، فإنه من نوع الْمُعَاد، وإنما ذلك لِمَا يتلطّخ به الذكر من نجاسة الفرج والمنيّ، فإنه مما يُكره، ويُستثقل عادةً وشرعًا. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: هكذا قزر المسألة القرطبيّ على وجه يُتعجّب، ويُستغرب من مثله، فإن هذا التقرير اشتمل على عجائب:
(الأول): أن الحديث الذي أورده "فليغسل فرجه" رواه ليث بن أبي سُليم كما قال، وهو متروك الحديث؛ فكيف ساغ له معارضة ما صحّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال فيما رواه مسلم:"فليتوضّأ وضوءًا"، مؤكدًا بالمصدر؛ ليفيد كونه وضوءًا شرعيًّا، بل جاء التصريح به فيما صححه ابن خزيمة، بلفظ:"فليتوضّأ وضوءه للصلاة"، فهل معارضة هذا الصحيح برواية ليث بن أبي سُليم من مناهج المحقّقين، أو من بضائع أهل الجدل الذين انقطعت بهم سبل الأدلة الصحيحة، فاحتاجوا للمغالطة بالواهيات؟ إن هذا لهو العجب العُجاب.
(الثاني): أن قوله: إن الوطء ليس من قبيل ما شُرع له الوضوء إلخ، من العجائب أيضًا، فَمِمَّن يريد التشريع؟، أليس الذي قال:"فليتوضّأ وضوءه للصلاة" هو الذي شرع العبادة؟، فهل هناك للتشريع معنى غير هذا؟.
(الثالث): قوله: "إن الوطء ينافي العبادة" من أين أخذه؟، أما قال الصحابة - رضي الله عنهم - لما قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "وفي بضع أحدكم أجرٌ": "أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ .... " الحديث، أخرجه مسلم.
فهلا يكون هذا من قسم العبادة التي يُحبّها الله، ويُثيب عليها؟.
(الرابع): قوله: "لما يتلطخ به الذكر من نجاسة ماء الفرج والمني" هذا مما اختلف فيه العلماء، والراجح طهارتهما، فكيف يَستدلّ بما اختُلف فيه على معارضة مقتضى الصحيح؟، هذا شيء غريب.
فتبيّن بهذا أن الصواب في معنى الوضوء هنا هو الوضوء الشرعيّ الذي