للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

صاعًا من شعير، فلم نزل نخرجه كذلك، حتى كان معاوية، فرأى أن مدين من بُرّ تَعْدِلُ صاعًا من تمر، قال أبو سعيد: فأما أنا فلا أزال أخرجه كذلك (١).

والباقون تقدّموا قريبًا.

وقوله: (إنك تقدَم) بفتح الدال المهملة، من باب تَعِب، وأراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى لأنهم كانوا في اليمن أكثر من مشركي العرب، أو أغلب، وإنما نبّهه على هذا ليتهيّأ لمناظرتهم، ويُعِدّ الأدلّة لإفحامهم؛ لأنهم أهل علم سابقٍ، بخلاف المشركين، وعَبَدَة الأوثان. قاله القرطبيّ (٢).

وقوله: (فَلْيكن أَوَّلَ مما تدعوهم إليه عبادةُ الله عز وجل) بنصب "أوَّلَ" على أنه خبر مقدّم و"يكن"، واسمها قوله: "عبادةُ الله عز وجل"، ويجوز العكس.

قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: أصلُ العبادة التذلّلُ والخضوع، وسُمّيت

وظائف الشرع على المكلّفين عبادات؛ لأنهم يلتزمونها، ويفعلونها خاضعين متذلّلين لله تعالى، والمراد بالعبادة هنا هو النطق بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.

وقوله: (فإذا عَرَفُوا الله، فأخبرهم إلخ)، أي إن أطاعوا بالنطق بكلمتي التوحيد، كما قال في الرواية السابقة: "فإن أطاعوا لك بذلك، فأعلمهم إلخ"، فسَمَّى الطواعية بذلك، والنطق به معرفة؛ لأنه لا يكون غالبًا إلا عن المعرفة.

قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: هذا الذي أمرَ به النبيّ - صلى الله عليه وسلم - معاذًا - رضي الله عنه - هو الدعوة قبل القتال التي كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يُوصي بها أُمراءه، وقد اختُلف في حكمها على ما سيأتي بيانه في "كتاب الجهاد" - إن شاء الله تعالى -.

قال: وعلى هذا فلا يكون في حديث معاذ - رضي الله عنه - به حجة لمن تمسّك به من المتكلّمين على أن أوّل واجب على كلّ مكلَّف معرفة الله تعالى بالدليل والبرهان، بل هو حجة لمن يقول: إن أول الواجبات التلفّظ بكلمتي الشهادة، مصدِّقًا بها، وقد اختلَفَ المتكلّمون في أول الواجبات على أقوال كثيرة، منها ما يشنع ذكره، ومنها ما ظهر ضعفه، والذي عليه أئمة الفتوى، وبهم يُقتدَى، كمالك،


(١) راجع الحديث في أبواب زكاة الفطر برقم (٩٨٥) ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي.
(٢) "المفهم" ١/ ١٨١.