للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

دفعه، ولم يُعنّفه، وقال: "إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله"، ولم يقل ما قالته قريش في الحديبية: "لو نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك"، فهذا من جراءتهم، ومعاندتهم، فإنهم يعلمون رسالته، ولكنهم يكابرون، فقد قال الله تعالى: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: ٣٣]، وقد أخرج الحاكم، في "المستدرك" من طريق أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب، عن عليّ - رضي الله عنه - قال: قال أبو جهل للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -: إنا لا نكذّبك، ولكن نكذّب بما جئت به، فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

٦ - (ومنها): بيان ما كان عليه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من حسن الخلق، واستئلاف الخلق إلى الإيمان، حيث قال: "إن اسمي الذي سمّاني به أهلي محمد".

٧ - (ومنها): بيان فضل فقراء المهاجرين، حيث أكرمهم الله تعالى بسبق غيرهم في الجواز على الصراط.

قال الأبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: ولا يدلّ هذا على أن فقراء المهاجرين أفضل من أغنيائهم، للإجماع على أن عثمان بن عفّان وعبد الرحمن بن عوف، أفضل من أبي هريرة، وأبي ذرّ - رضي الله عنهم -، وقد يختصّ المفضول بخاصيّة ليست في الفاضل، ولا يكون بسببها أفضل، ولهذا المعنى لا يُحتجّ به لترجيح الفقراء، ولا يشترط في فقر المهاجرين دوامه، بل فقر زمنه - صلى الله عليه وسلم -. انتهى (٢).

٨ - (ومنها): ما قاله أبو محمد بن أبي جمرة فيما يتعلّق بتبدّل الأرض: فيه دليلٌ على عظيم القدرة، والإعلام بجزئيات يوم القيامة، ليكون السامع على بصيرة، فيُخَلِّص نفسه من ذلك الهول، لأن في معرفة جزئيات الشيء قبل وقوعه رياضةَ النفس، وحملَها على ما فيه خلاصها، بخلاف مجيء الأمر بغتةً. انتهى.

٩ - (ومنها): ما قاله أيضًا: فيه إشارة إلى أن أرض الموقف أكبر من هذه الأرض الموجودة جدًّا، والحكمة في الصفة المذكورة أن ذلك اليوم يوم عدل، وظهور حقٍّ، فاقتضت الحكمة أن يكون المحل الذي يقع فيه ذلك طاهرًا عن عمل المعصية والظلم، وليكون تجليه - سبحانه وتعالى - على عباده المؤمنين على أرض


(١) رواه الحاكم ٣/ ٣١٥.
(٢) "شرح الأبيّ" ٢/ ٩١.