للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أخرى، وقد يقع ذلك بعد غسل أعضاء الوضوء، فيحتاج إلى إعادة غسلها، فلو اقتصر على غسلة واحدة لإزالة النجاسة، وللغسل عن الجنابة، فهل يُكتفى بذلك، أم لا بدّ من غسلتين: مرّةً للنجاسة، ومرّةً للطهارة عن الحدث؟ فيه خلاف لأصحاب الشافعيّ، ولم يَرِد في الحديث إلا مطلق الغسل من غير ذكر تكرار، فقد يؤخذ منه الاكتفاء بغسلة واحدة من حيثُ إن الأصل عدم غسله ثانيًا. انتهى كلام ابن دقيق العيد - رَحِمَهُ اللهُ - (١).

قال الجامع عفا الله عنه: الاكتفاء هو الحقّ؛ عملًا بظاهر النصّ؛ إذ هو مطلق، لا يقتضي التكرار، فتبصّر، والله تعالى أعلم.

(ثُمَّ ضرَبَ بِشِمَالِهِ) التي غسل بها فرجه (الْأَرْضَ). قال ابن الملقّن - رَحِمَهُ اللهُ -: الظاهر أنه من المقلوب، والأصل ضرب الأرض بيده؛ لأن اليد هي الآلة، والباء لا تدخل إلا على الآلة، كضربت بالعصا، وكتبت بالقلم، وشبه ذلك، وقد جاء القلب كثيرًا في كلامهم، قالوا: عَرَضتُ الناقة على الحوض، وأدخلت القَلَنْسُوة في رأسي، ومنه قوله تعالى: {لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} [القصص: ٧٦]، أي العُصبة تنوء بالمفاتيح؛ لثقلها على ما قيل.

(فَدَلَكَهَا)، أي دلك شماله (دَلْكًا شَدِيدًا) مفعول مطلق مبيّن للنوع، والدلك: مصدر دَلَكَ الشيءَ، من باب نَصَرَ: إذا مَرَسَهُ، وعَرَكَهُ، قال الشاعر [من الرجز]:

أَبِيتُ أَسْرِي وَتَبِيتِي تَدْلُكِي … شَعْرَكِ بِالْعَنْبَرِ وَالْمِسْكِ الذَّكِي

والمعنى: حَكّ شماله على الأرض بقوّة؛ مبالغةً في التنظيف.

قال ابن دقيق العيد - رَحِمَهُ اللهُ -: وضربه - صلى الله عليه وسلم - بالأرض، أو الحائط؛ لإزالة ما لعلّه عَلِقَ باليد من الرائحة؛ زيادة في التنظيف، ثم قال:

إذا بقيت رائحة النجاسة بعد الاستقصاء في الإزالة لم يضرّ على مذهب بعض الفقهاء، وفي مذهب الشافعيّ خلاف، وقد يؤخذ العفو عنه من هذا الحديث، ووجهه أن ضربه - صلى الله عليه وسلم - بالأرض، أو الحائط لا بدّ وأن يكون لفائدة،


(١) "إحكام الأحكام" ١/ ٣٨٠ - ٣٨١.