(عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ) الليثيّ المكيّ رحمه الله، أنه (قَالَ: بَلَغَ عَائِشَةَ) - رضي الله عنها - (أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو) بن العاص - رضي الله عنهما -، مات في ذي الحجة ليالي الحرّة على الأصحّ، وتقدّمت ترجمته في "المقدمة" ٤/ ١٨. (يَأْمُرُ النِّسَاءَ إِذَا اغْتَسَلْنَ) وفي رواية أبي عوانة: "كان عبد الله بن عمرو بن العاص يأمر المرأة إذا اغتسلت من الجنابة أن تنقض قرون رأسها"(أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ) أي ضفائر رؤوسهنّ، قال النوويّ رحمه الله: هذا يُحْمَل على أنه أراد إيجاب ذلك عليهنّ، ويكون ذلك في شعور لا يَصِل إليها الماء، أو يكون مذهبًا له أنه يجب النقض بكل حال، كما حكيناه عن النخعيّ، ولا يكون بلغه حديث أم سلمة وعائشة - رضي الله عنهما -، ويَحْتَمل أنه كان يأمرهن على الاستحباب والاحتياط، لا للإيجاب. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: الظاهر أن هذا مذهب له، وأنه لم يبلغه حديث النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، وأما التفريق بين الشعر الذي يصل إليه الماء، وبين غيره، فقد تقدّم أن الراجح أنه لا فرق بينهما، وأن المرأة لا يجب عليها إيصال الماء إلى أصول شعرها، كما هو ظواهر النصوص المتقدّمة، وحديث عائشة - رضي الله عنها - هذا أيضًا دالّ عليه:"ولا أزيد على أن أُفرغ على رأسي ثلاث إفراغات"، فلو كان الإيصال واجبًا لبيّنته، وقيّدت به، ولم تنكر على ابن عمرو إنكارًا مطلقًا، والله تعالى أعلم.
(فَقَالَتْ: يَا عَجَبًا لِابْنِ عَمْرِو) هذا تعجّب من فعل ابن عمرو - رضي الله عنهما -، ثم إذا نُوّن "عَجَبًا" كان مفعولًا مطلقًا لفعل مقدّر، أي أَعْجَبُ عجبًا، والمنادى محذوف، أي يا قوم، أو "يا" حرف تنبيه، وإذا لم يُنَوّن كان هو المنادى، وأصله: يا عجبي، فأبدلت الياء ألفًا؛ للتخفيف، بعد قلب الكسرة قبلها فتحة.
[تنبيه]: حكم الاسم المتعجّب منه كحكم الاسم المستغاث منه، فيقولون: يا للماء، ويا للدواهي، إذا تعجّبوا من كثرتهما، ويقال: يا لَلْعَجب، ويا عَجَبَا لزيد، ويا عجبُ لزيد، كما يقولون: يا لَزيد، ويا زيدَا، ويا زيدُ لعمرو، قال في "الخلاصة":