وقولها:(هَذَا) بدل من ابن عمرو (يَأْمُرُ النِّسَاءَ إِذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ) بضمّ القاف، من باب نصر، كما سبق في الماضي (رُءُوسَهُنَّ) أي شعور رؤوسهنّ، فهو على حذف مضاف (أفَلَا يَأمُرُهُنَّ) تقدّم أن الهمزة مقدّمة من تأخير على مذهب الجمهور، وأصلها: فألا يأمرهنّ، قُدّمت على العاطف، لوجوب الصدارة لها، أو هي داخلةٌ على مقدّر، يُعطف عليه المذكور، على رأي الزمخشريّ.
والاستفهام إنكاريّ، وهو بمعنى النفي، دخل على نفي، ونفي النفي إثبات، فهو كقوله عز وجل:{أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ}[الغاشية: ١٧]، أي أُعموا، فلا ينظرون، أي فلينظروا إلى الإبل كيف خلقت؟.
فيكون التقدير هنا: أَيَتَشَدّد في دينه هذا التشدّد، فلا يأمرُهنّ، أي فليأمرهنّ، والكلام على سبيل التهكّم (١).
(أَنْ يَحْلِقْنَ رُءُوسَهُنَّ؟)"أن" مصدريّة، والمصدر المؤوّل مفعول "يأمر"، أي ألا يأمرهنّ بحلق رؤوسهنّ حتى يتضرّرن بنقضها كلّما اغتسلن.
وفي رواية أبي عوانة:"أفلا يأمرهنّ بجَزّ نواصيهنّ".
(لَقَدْ) اللام هي الموطّئة للقسم، أي والله لقد (كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَما) ضمير منفصلٌ للمتكلّم أُتي لأجل العطف على الضمير المتّصل، كما سبق غير مرّة، (وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) عطف على الضمير المتّصل في الفعل (مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ) وهذا الإناء فُسّر في رواية أخرى، فقد أخرج النسائيّ الحديث من طريق إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، عن عُبيد بن عُمير، أن عائشة قالت:"لقد رأيتني أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا، فإذا تَوْرٌ موضوع مثل الصاع، أو دونه، فنشرع فيه جميعًا، فأفيض على رأسي بيديَّ ثلاث مرّات، وما أنقض لي شعرًا".
و"التَّوْر" بفتح، فسكون، فَراء: إناء من صُفْر، أو حجارة.
ويَحتمل أن يكون هو الفَرَق الذي تقدّم قبل باب في حديث عروة،
(١) راجع: "فتح المنعم" (٢/ ٣٣٧)، فقد ذكر نحو هذا المعنى، ولكن لم أوافقه في تقديره، فإنه قدّره بقوله: "أتهاون في دينه إلخ"، وهذا غير لائق بالمقام، فتنبّه.