للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ورُوي عن ابن عمر، وابن الزبير، وعطاء بن أبي رَباح أنهم قالوا: يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة، ورُوي هذا أيضًا عن عليّ، وابن عباس، وروي عن عائشة أنها قالت: تغتسل كل يوم غسلًا واحدًا، وعن ابن المسيب، والحسن قالا: تغتسل من صلاة الظهر إلى صلاة الظهر دائمًا، والله تعالى أعلم.

ودليل الجمهور أن الأصل عدم الوجوب، فلا يجب إلا ما ورد الشرع بإيجابه، ولم يصحّ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه أمرها بالغسل إلا مرة واحدة عند انقطاع حيضها، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أقبلت الحيضة، فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي"، وليس في هذا ما يقتضي تكرار الغسل، وأما الأحاديث الواردة في سنن أبي داود، والبيهقيّ، وغيرهما أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمرها بالغسل، فليس فيها شيء ثابتٌ، وقد بَيّن البيهقيّ، ومَن قبله ضعفها، وإنما صح في هذا ما رواه البخاريّ، ومسلم، في "صحيحيهما": أن أم حبيبة بنت جحش - رضي الله عنها - استحيضت، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما ذلك عِرْق، فاغتسلي، ثم صلي"، فكانت تغتسل عند كل صلاة.

قال الشافعي رحمه الله: إنما أمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تغتسل، وتصلي، وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة، قال: ولا شك - إن شاء الله تعالى - أن غسلها كان تطوعًا غير ما أُمِرت به، وذلك واسع لها، هذا كلام الشافعي رحمه الله بلفظه، وكذا قال شيخه سفيان بن عيينة، والليث بن سعد، وغيرهما، وعباراتهم متقاربة، والله تعالى أعلم. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي ذكره النوويّ من تضعيف أحاديث أمره - صلى الله عليه وسلم - لها بالاغتسال لكلّ صلاة، ليس مقبولًا، بل الحقّ أن الأحاديث صحيحة، كما حقّقت ذلك في شرح النسائيّ، وإنما وجه الأحاديث أن يُحمل الأمر فيها على الاستحباب، لا على الوجوب، بدليل أمره - صلى الله عليه وسلم - لها بالوضوء عند كلّ صلاة، فإن هذا يصرف الأمر عن الوجوب إلى الاستحباب.

والحاصل أن المستحاضة، تغتسل عند كل صلاة استحبابًا، وإن اقتصرت على الوضوء أجزأها، وإن أردت تحقيق المسألة، فارجع إلى ما كتبته في


(١) "شرح النوويّ" ٤/ ١٧ - ٢٠.