فيما إذا لم تكن حاجة، أما إذا كانت حاجة شرعية، فيجوز النظر، كما في حالة البيع، والشراء، والتطبب، والشهادة، ونحو ذلك، ولكن يحرم النظر في هذه الحال بشهوة، فإن الحاجة تبيح النظر للحاجة إليه، وأما الشهوة فلا حاجة إليها، قال أصحابنا: النظر بالشهوة حرام على كل أحد غير الزوج والسيد، حتى يحرم على الإنسان النظر إلى أمه وبنته بالشهوة. انتهى كلام النوويّ رَحِمَهُ اللهُ (١).
وقال القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ: لا خلاف في تحريم النظر إلى العورة من الناس بعضهم إلى بعض، ووجوب سترها عنهم إلا الرجل مع زوجته أو أمته، واختُلف في كشفها في الانفراد، وحيث لا يراه أحدٌ، ولا خلاف أن السوأتين من الرجل والمرأة عورةٌ، واختُلف فيما عدا ذلك من الركبة إلى السرّة من الرجل، هل هو عورةٌ أم لا؟ ولا خلاف أن إبداءه لغير ضرورة قصدًا ليس من مكارم الأخلاق.
ولا خلاف أن ذلك من المرأة عورة على النساء والرجال، وأن الحرّة عورة ما عدا وجهها وكفّيها على غير ذوي المحارم من الرجال، وسائر جسدها على المحارم، ما عدا شعرَها ورأسها وذراعيها، وما فوق نحرها.
واختُلف في حكمها مع النساء، فقيل: جسدها كلّه عورةٌ، فلا يَرى النساء منها إلا ما يراه ذو المحرم، وقيل: حكم النساء مع النساء حكم الرجال مع الرجال، إلا مع نساء أهل الذمّة، فقيل: حكمهنّ في النظر إلى أجساد المسلمات حكم الرجال؛ لقوله تعالى:{أَوْ نِسَائِهِنَّ}[النور: ٣١] على خلاف بين المفسّرين في معناه.
وحكم المرأة فيما تراه من الرجل حكم الرجل فيما يراه من ذوي محارمه من النساء، وقد قيل: حكم المرأة فيما تراه من الرجل كحكم الرجل فيما يراه من المرأة، والأول أصحّ.
وأما الأمة فالعورة منها ما تحت ثدييها، ولها أن تُبدي رأسها ومِعْصمها، وقيل: حكمها حكم الرجال، وقيل: يُكره لها كشف معصمها ورأسها