وإنما خاطب موسى عليه السلام الحجر؛ لأنه أجراه مُجْرَى مَن يَعْقِل؛ لكونه فَرَّ بثوبه، فانتقل عنده من حكم الجماد إلى حكم الحيوان، فناداه، فلما لم يُطِعْه ضربه، وقيل: يَحْتَمِل أن يكون موسى عليه السلام أراد أن يضربه إظهارًا للمعجزة بتأثير ضربه، ويَحْتَمِل أن يكون عن وحي؛ لإظهار الإعجاز، ومَشْيُ الحجرِ إلى بني إسرائيل بالثوب أيضًا معجزة أخرى لموسى عليه السلام (١).
(ثَوْبِي حَجَرُ) كرّره للتوكيد (حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى سَوْأَةِ مُوسَى) أي عورته، وقد تقدّم ضبطها ومعناها آنفًا (قَالُوا: وَاللهِ مَا) نافية، ولا تعمل عمل "ليس"؛ لتقدم خبرها على اسمها، وهذا مذهب ابن مالك، كما بيّنه بقوله:
و"البأس" في الأصل هو: العذاب، والشدّة في الحرب، لكن المراد هنا الكناية عن الضرر والعيب، أي ليس بموسى عليه السلام ما كنّا نظنّه فيه من عيب خَلْقيّ، يمنعه من الاغتسال معنا عُريانًا، والله تعالى أعلم.
وفي رواية البخاريّ في "كتاب الأنبياء" من طريق روح بن عبادة، عن عوف:"حتى انتهى إلى ملإ من بني إسرائيل، فرأوه عُريانًا أحسن ما خلق الله، وأبرأه مما يقولون"، وفي روايةٍ له:"فرأوه كأحسن الرجال خَلْقًا، فبَرّأه مما قالوا"، وفي رواية قتادة، عن الحسن، عن أبي هريرة، عند ابن مردويه، وابن خزيمة:"وأَعْدَله صورةً"، وفي روايته:"فقالت بنو إسرائيل: قاتل الله الأَفّاكين، وكانت براءته".
(فَقَامَ الْحَجَرُ)، أي توقّف عن الجري (حَتَّى نُظِرَ إِلَيْهِ) ببناء الفعل