فوجدوا الروميّ الذي فيها نَجّارًا، فقَدِمُوا به وبالخشب ليبنوا به البيت، فكانوا كُلَّما أرادوا القرب منه لهدمه بَدَت لهم حية فاتحة فاها، فبعث الله طيرًا أعظم من النَّسْر، فغرز مخالبه فيها، فالقاها نحو أجياد، فهَدَمَت قريش الكعبة، وبنوها بحجارة الوادي، فرفعوها في السماء عشرين ذراعًا، فبينما النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يَحْمِل الحجارة من أجياد، وعليه نَمِرة، فضاقت عليه النمرة، فذهب يضعها على عاتقه، فبدت عورته من صغرها، فنودي: يا محمد خَمِّر عورتك، فلم ير عريانًا بعد ذلك، وكان بين ذلك وبين المبعث خمس سنين".
قال معمر: وأما الزهريّ، فقال: الَمّا بَلَغَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "الْحُلُم، أجمرت امرأة الكعبةَ، فطارت شِرارة من مِجْمَرها في ثياب الكعبة، فاحترقت، فتشاورت قريش في هدمها، وهابوه، فقال الوليد: إن الله لا يُهلك مَن يريد الإصلاح، فارتقى على ظاهر البيت، ومعه العباس، فقال: اللهم لا نريد إلَّا الإصلاح، ثم هَدَم، فلما رأوه سالمًا تابعوه".
قال عبد الرزاق: وأخبرنا ابن جريجٍ، قال: قال مجاهد: كان ذلك قبل المبحث بخمس عشرة سنةً، وكذا رواه ابن عبد البر، من طريق محمد بن جبير بن مطعم، بإسناد له، وبه جزم موسى بن عقبة في "مغازيه"، والأول أشهر، وبه جزم ابن إسحاق.
قال الحافظ: ويمكن الجمع بينهما بأن يكون الحريق تقدم وقته على الشروع في البناء.
وذكر ابن إسحاق أن السيل كان يأتي، فيصيب الكعبة، فيتساقط من بنائها، وكان رَضْمًا فوق القامة، فأرادت قريش رفعها وتسقيفها، وذلك أن نَفَرًا سَرَقُوا كنز الكعبة، فذَكَر القصة مطولةً في بنائهم الكعبة، وفي اختلافهم فيمن يَضَع الحجر الأسود، حتى رَضُوا باول داخل، فدخل النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فحَكَّمُوه في ذلك، فوضعه بيده، قال: وكانت الكعبة على عهد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ثمانية عشر ذراعًا.
ووقع عند الطبرانيّ من طريق أخرى، عن ابن خُثَيم، عن أبي الطفيل: أن اسم النجار المذكور باقوم، وللفاكهيّ من طريق ابن جريجٍ مثله، قال: وكان يَتّجِر إلى بندر وراء ساحل عدن، فانكسرت سفينته بالشُّعَيبة، فقال لقريش: إن أجريتم عِيري مع عِيركم إلى الشام، أعطيتكم الخشب، ففعلوا.