للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فقد أفاد أنه يتعدّى بنفسه، وبحرف الجرّ.

وقال في "المصباح": الحياء: هو الانقباض، والانزواء، قال الأخفش: يتعدّى بنفسه، وبالحرف، فيقال: استحييتُ منه، واستحييته، وفيه لغتان: إحداهما لغة الحجاز، وبها جاء القرآن بياءين، والثانية لتميم بياء واحدة. انتهى (١).

(فَقَالَتْ) عائشة - رضي الله عنها - (لَا تَسْتَحْيِي) وقع في النسخ بياءين، وعليه فـ "لا" نافية، والفعل مرفوع، وهو خبرٌ بمعنى النهي على وجه المبالغة، وفي بعض النسخ: "لا تستحي" بياء واحدة، على لغة من قال: استحَى يستحي، كما تقدّم بيانه (أَنْ تَسْأَلني) "أن" مصدريّة والفعل في تأويل المصدر مفعول به، أو مجرور بحرف جرّ مقدّر؛ لأن سأل يتعدّى إلى المفعول الثاني بنفسه، وبحرف الجرّ، قال في "القاموس": سأله كذا، وعن كذا، وبكذا بمعنى (٢)، والتقدير هنا: أي عن سؤالي (عَمَّا كُنْتَ سَائِلًا عَنْهُ أمَّكَ الَّتِي وَلَدَتْكَ، فَإنمَا أَنَا أمُّكَ) الفاء للتعليل؛ أي لأني أمك، كما أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: ٦] (قُلْتُ: فَمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ؟) الفاء في جواب شرط مقدّر، و"ما" استفهاميّة؛ أي إذا أذِنت لي في السؤال، وشجّعتني عليه، وخفَّفتِ عني ثقل الحياء الذي اعتراني، فأيُّ شيء يوجب على الإنسان أن يغسل جميع بدنه؟ (قَالَتْ) عائشة - رضي الله عنها - (عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ) معناه: صادفت خبيرًا بَحقيقة ما سألت عنه، عارفًا بَخفيّه وجليّه، حاذقًا فيه.

قال الأبيّ - رحمه الله -: هذا مثل، قال أبو عبيد: وأصله لمالك بن حُبير، أحد حكماء العرب، وبه تمثّل الفرزدق حين لقيه الحسين - رضي الله عنه -، وهو يريد العراق للبيعة، وقال له: ما وراءك؟، فقال: "على الخبير سقطت"، قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بني أميّة، والأمر ينزل من السماء، فقال: صدقتني. انتهى (٣).

وهذا القول من عائشة - رضي الله عنها - يدلّ على أنها فَهِمَت أن سؤاله عما يوجب


(١) "المصباح المنير" ١/ ١٦٠.
(٢) "القاموس المحيط" ٣/ ٣٩٢.
(٣) "شرح الأبّي" ٢/ ١١٢.