للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: هذا الوضوء هنا هو الوضوء الشرعيّ العرفيّ عند جمهور العلماء، وكان الحكم كذلك، ثم نُسخ، كما قال جابر بن عبد الله - رضي الله عنها -: "كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تركَ الوضوء مما مسّت النار" (١)، وعلى هذا تدلّ الأحاديث الآتية بعدُ، وعليه استقرّ عمل الخلفاء، ومعظم الصحابة، وجمهور العلماء مِن بعدهم، وذهب أهل الظاهر، والحسن البصريّ، والزهريّ إلى العمل بقوله: "توضّؤوا مما مسّت النار"، وأن ذلك ليس بمنسوخ. وذهب أحمد، وإسحاق، وأبو ثور إلى إيجاب الوضوء من أكل لحم الْجَزُور لا غير.

قال الجامع عفا الله عنه: ما ذهب إليه أحمد، ومن معه هو الحقّ، كما سيأتي تحقيقه - إن شاء الله تعالى -.

قال: وذهبت طائفة إلى أن ذلك الوضوء إنما هو الوضوء اللغويّ، وهو غَسْلُ اليد والفم من الدَّسَم، كما فَعَل النبيّ - صلي الله عليه وسلم - حيث شَرِب اللبن، ثم مضمض، وقال: "إن له دَسَمًا" (٢)، وأن الأمر بذلك على جهة الاستحباب،

وممن ذهب إلى هذا ابن قتيبة، ذكره في "غريبه"، والصحيح الأول، فلْيُعْتَمَدْ عليه. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (٣)، ويأتي تمام البحث في هذا في الباب التالي - إن شاء الله تعالى - والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - هذا من أفراد المصنّف - رحمه الله -.

(المسألة الثانية): في تخريجه:

أخرجه (المصنّف) هنا في "الحيض" [٢٢/ ٧٩٣] (٣٥١)، و (النسائيّ) في "الطهارة" (١/ ١٠٧)، وفي "الكبرى" (١/ ١٠٥)، و (أحمد) في "مسنده" (٥/ ١٨٤ و ١٨٨ و ١٨٩ و ١٩٠ و ١٩١)، و (الدارميّ) في "سننه" (٧٣٢)، و (أبو نعيم) في "مستخرجه" (٧٨٣)، و (البيهقيّ) في "الكبرى" (١/ ٢٤٠)، وسيأتي تمام


(١) حديث صحيح، أخرجه أبو داود برقم (١٩٢)، والنسائيّ (١/ ١٠٨).
(٢) متّفق عليه.
(٣) "المفهم" ١/ ٦٠٣.