للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي رواية ابن ماجه من طريق الوليد بن مسلم، قال: حدثنا الأوزاعيّ … فذكره بصيغة الأمر: "مَضْمِضُوا من اللبن، فإن له دَسَمًا"، وكذا رواه الطبريّ من طريق أخرى، عن الليث بالإسناد المذكور، وأخرج ابن ماجه من حديث أم سلمة، وسهل بن سعد مثله، وإسناد كل منهما حسن.

وهذا الأمر بالمضمضة للاستحباب، لا للوجوب بدليل ما رواه الشافعيّ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - راوي الحديث، أنه شَرِبَ لبنًا، فمضمض، ثم قال: لو لم أتمضمض ما باليت، وأخرج أبو داود بإسناد حسن، عن أنس - رضي الله عنه -: "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - شَرِب لبنًا، فلم يتمضمض، ولم يتوضأ".

قال الحافظ رحمه اللهُ: وأغرب ابن شاهين، فجعل حديث أنس ناسخًا لحديث ابن عباس، ولم يذكر مَن قال فيه بالوجوب، حتى يحتاج إلى دعوى النسخ. انتهى.

(وَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - مبيّنًا سبب المضمضة (إِنَّ) بكسر الهمزة؛ لوقوعها محكيّة بالقول (لَهُ دَسَمًا") منصوب على أنه اسم "إنّ" مؤخّرًا، و"الدَّسَمُ" بفتحتين: الشيء يظهر على اللبن من الدهن، وقال الزمخشريّ: هو من دسم المطر الأرضَ: إذا لم يبلُغ أن يبلّ الثرى، والدُّسْمُ بضمّ الدال، وسكون السين: الشيء القليل. انتهى (١).

وقال المجد رحمه اللهُ: "الدَّسَمُ محرّكةً: الْوَدَكُ، والْوَضَرُ، والدنَسُ. انتهى (٢).

وقال الفيّوميّ رحمه اللهُ: دَسِمَ الطعام دَسَمًا، من باب تَعِبَ، فهو دَسِمٌ، والدَّسَمُ: الْوَدَكُ من لحم وشَحْم، ودسَّمتُ اللُّقْمة تدسيمًا: إذا لطّختها. انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: إنما أورد المصنّف رحمه الله هذا الحديث في هذا الباب، وإن لم يكن اللبن مما مسته النار إشارةً إلى أن سبب الأمر بالوضوء مما مسّته النار هو الدسم الذي فيه، والله تعالى أعلم.


(١) "عمدة القاري" ٣/ ١٦٠.
(٢) "القاموس المحيط" ٤/ ١١١.
(٣) "المصباح المنير" ١/ ١٩٤.