للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله: إباحة الصلاة في مرابض الغنم دليلٌ لمالك على طهارة فضلة ما يؤكل لحمه؛ لأن مرابضها مواضع رُبُوضها وإقامتها، ولا يخلو عن أبوالها وأرواثها، وأما نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في معاطن الإبل، فليس لنجاسة فضلاتها، بل لأمر آخر، إما لنتن معاطنها، أو لأنها لا تخلو غالبًا عن نجاسة من يستتر بها عند قضاء الحاجة، أو لئلا يتعرّض لنفارها في صلاته، أو لما جاء أنها خُلقت من الشياطين، وهذه كلّها مما ينبغي للمصلّي أن يتجنّبها، ومع هذه الاحتمالات لا يصلح هذا الحديث للاستدلال به على نجاسة فَضَلاتها، وقد أباح النبيّ - صلى الله عليه وسلم - للْعُرَنيين شُرب ألبانها وأبوالها، ولا يُلتَفتُ إلى قول من قال: إن ذلك لموضع الضرورة؛ لأنا لا نسلّمها؛ إذ الأدوية في ذلك للمرض الذي أصابهم كثيرةٌ، ولو كان ذلك للضرورة لاستكشف عن حال الضرورة، ولسأل عن أدوية أخرى حتى يتحقّق عدمها، ولو كانت نجاسةً لكان التداوي بها ممنوعًا أيضًا بالأصالة كالخمر، أَلَا تراه لَمّا سئل - صلى الله عليه وسلم - عن التداوي بالخمر؟ قال: "إنها ليست بدواء، ولكنها داء"، رواه مسلم، ولم يلتفت إلى الحاجة النادرة التي يباح فيه، كإزالة الْغَصَص بجرعة منها عند عدم مائع آخر.

وحاصله أن إخراج الأمور عن أصولها، وإلحاقها بالنوادر، لا يلتفت إليه؛ لأنه خلاف الأصل. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١) وهو بحثٌ جيّد، والله تعالى أعلم.

٤ - (ومنها): بيان النهي عن الصلاة في مبارك الإبل، وهو للتحريم على الأصحّ، كما سيأتي تحقيقه في المسألة الخامسة - إن شاء الله تعالى -، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم الوضوء من أكل لحم الإبل:

قال الإمام أبو بكر بن المنذر رحمه الله: ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بالوضوء من لحوم الإبل، ثم أخرج حديث جابر بن سمرة هذا، وحديث


(١) "المفهم" ١/ ٦٠٥ - ٦٠٦.