للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المائدة"، ورواه ابن أبي حاتم، وابن المنذر، عن سفيان.

قال العينيّ: التيمم في اللغة مطلق القصد، قال الشاعر [من الوافر]:

وَلَا أَدْرِي إِذَا يَمَّمْتُ أَرْضًا … أُرِيدُ الْخَيْرَ أَيُّهُمَا يَلِينِي

أَأَلْخَيْرُ الَّذِي أَنَا أَبْتَغِيهِ … أَمِ الشَّرُّ الَّذِي هُوَ يَبْتَغِينِي

ومنه قول الشاعر [من الطويل]:

تَيَمَّمْتُكُمْ لَمَّا فَقَدْتُ أُولِي النُّهَى … وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً تَيَمَّمَ بِالتُّرْبِ

وفي الشرع: قصد الصعيد الطاهر، واستعماله بصفة مخصوصة، وهو مسح الوجه واليدين؛ لاستباحة الصلاة، وامتثال الأمر. انتهى بزيادة (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثانية): التيمّم جائز بالكتاب، والسنّة، والإجماع؛ أما الكتاب، فقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: ٦].

وأما السنّة فأحاديث الباب وغيرها.

وأما الإجماع، فقد أجمعت الأمة على جواز التيمّم في الجملة (٢).

قال النوويّ رحمه الله: التيمّم رخصة، وفضيلة اختُصّت بها هذه الأمة - زادها الله شرفًا - لم يُشاركها فيها غيرها من الأمم، كما صَرَّحت به الأحاديث الصحيحة المشهورة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأجمعوا على أن التيمّم مختصّ بالوجه واليدين، سواء تيمّم من الحدث الأصغر، أو الأكبر، وسواء تيمّم عن كلّ الأعضاء، أو بعضها. انتهى (٣).

وقال الشاه وليّ الله الدهلويّ رحمه الله في كتابه "حجة الله البالغة": لَمّا كان من سنّة الله في شرائعه أن يُسهّل عليهم كلّ ما لا يستطيعونه، وكان أحقّ أنواع التيسير أن يُسقط ما فيه حرجٌ إلى بدل؛ لتطمئنّ نفوسهم، ولا تختلف الخواطر عليهم بإهمال ما التزموه غاية الالتزام مرّة واحدةً، ولا يَألفوا ترك الطهارات، أسقط الوضوء والغسل في المرض والسفر إلى التيمّم، ولَمّا كان ذلك كذلك نزل القضاء في الملإ الأعلى بإقامة التيمّم مقام الوضوء والغسل، وحصل له


(١) راجع: "عمدة القاري" ٤/ ٣.
(٢) راجع: "المغني" ١/ ٣١٠.
(٣) "المجموع شرح المهذّب" ٢/ ٣٠٩.