للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(١٦)، و (الترمذيّ) فيها (٩٠)، و (النسائيّ) فيها (١/ ٣٥ - ٣٦)، و (ابن ماجه) فيها (٣٥٣)، و (أبو عوانة) في "مسنده" (٥٧٢ و ٥٧٣)، و (أبو نُعيم) في "مستخرجه" (٨١٥)، والله تعالى أعلم.

(المسألة الثالثة): أنه يُستفاد من مجموع أحاديث الباب كراهة ذكر الله تعالى حال قضاء الحاجة، ولو كان واجبًا بحسب الأصل؛ كردّ السلام، وأن الْمُسَلِّم في هذا الحالة لا يستحق جوابًا، وأما ردّه - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك، فمن مكارم أخلاقه - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك نَهَى الرجل عن السلام عليه في مثل تلك الحال، وأنه إن سلّم عليه، فإنه لا يردّ عليه، كما تقدّم في رواية ابن ماجه.

قال النوويّ - رحمه الله -: وهذا مُتّفَقٌ عليه، قال أصحابنا: ويكره أن يُسَلِّم على المشتغل بقضاء حاجة: البول، والغائط، فإن سُلِّم عليه كُرِه له ردُّ السلام، قالوا: ويكره للقاعد على قضاء الحاجة أن يذكر الله تعالى بشيء من الأذكار، قالوا: فلا يُسَبِّح، ولا يُهَلِّل، ولا يرُدّ السلام، ولا يُشَمِّت العاطس، ولا يحمد الله تعالى إذا عَطَس، ولا يقول مثل ما يقول المؤذن، قالوا: وكذلك لا يأتي بشيء من هذه الأذكار في حال الجماع، وإذا عَطَس في هذه الأحوال يحمد الله تعالى في نفسه، ولا يحرك به لسانه، وهذا الذي ذكرناه من كراهة الذكر في حال البول والجماع، هو كراهة تنزيه، لا تحريم، فلا إثم على فاعله، وكذلك يكره الكلام على قضاء الحاجة، بأيّ نوع كان من أنواع الكلام، ويُسْتَثنى من هذا كله موضع الضرورة، كما إذا رأى ضريرًا يكاد أن يقع في بئر، أو رأى حيةً، أو عقربًا، أو غير ذلك يقصد إنسانًا، أو نحو ذلك، فإن الكلام في هذه المواضع ليس بمكروه، بل هو واجب، وهذا الذي ذكرناه من الكراهة في حال الاختيار هو مذهبنا، ومذهب الأكثرين، وحكاه ابن المنذر عن ابن عباس، وعطاء، وسعيد الجهنيّ، وعكرمة - رضي الله عنهم -، وحُكِي عن إبراهيم النخعيّ، وابن سيرين أنهما قالا: لا بأس به، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ - رحمه الله - (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، واليه المرجع والمآب.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.


(١) "شرح النوويّ" ٤/ ٦٥.