للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال أبو محمد بن حزم - رحمه الله -: إن الكافر نجس العين، واحتجّ بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: ٢٨].

وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد أن المؤمن طاهر الأعضاء؛ لاعتياده مجانبة النجاسة، بخلاف المشرك لعدم تحفّظه عن النجاسة، وعن الآية بأن المراد أنهم نجس في الاعتقاد والاستقذار.

وحجتهم أن الله تعالى أباح نكاح نساء الكتاب، ومعلوم أن عَرَقَهنّ لا يَسلَم منه مَن يُضاجعهنّ، ومع ذلك فلم يجب عليه من غسل الكتابيّة إلا مثلُ ما يجب عليه من غسل المسلمة، فدلّ على أن الآدميّ الحيّ ليس بنجس العين؛ إذ لا فرق بين النساء والرجال، وأغرب القرطبيّ في "الجنائز" من "شرح مسلم"، فنسب القول بنجاسة الكافر إلى الشافعيّ، قاله في "الفتح" (١).

وقال الصنعانيّ - رحمه الله -: ذهب قوم إلى أنه ينجس بالموت، ويطهر بالغسل، وآخرون إلى أنه لا يطهّره الغسل، بل الغسل مجرّد تعبّد، وآخرون إلى أنه لا ينجس بالموت، بل هو طاهر، وهذا الأخير أظهر الأقوال، وألصقها بالصواب؛ لعدم الأدلّة على خلافه، إلا عمومات تحريم أكل الميتة، ولا ملازمة بين تحريم الأكل والنجاسة، فإنه يحرم أكله حيًّا، وهو طاهر الذات اتّفاقًا، والأصل بقاؤه بعد الموت على ما كان عليه قبله. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: ما ذهب إليه الجمهور من أن الآدميّ طاهر مطلقًا، مسلمًا كان، أو كافرًا هو الحقّ؛ للأدلّة التي تقدّمت، وأقواها جواز نكاح الكتابيّات، وجواز أكل طعامهم، وربط النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمامة بن أُثال الحنفيّ في مسجد حين أُسِر، وقد ترجم الإمام البخاريّ - رحمه الله - في "صحيحه": "باب دخول المشرك المسجدَ"، فأورد حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "بَعَثَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيلًا قِبَل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة، يقال له: ثُمامة بن أُثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد"، متّفقٌ عليه.

ففيه دلالة واضحة على طهارته؛ إذ لو كان نجسًا لما أدخله المسجد، ولَأمَر الصحابة الذين ربطوه بغسل أعضائهم لمسّه.


(١) ١/ ٤٦٥.
(٢) "العدّة" ١/ ٣٦٤.