تحريم القراءة عليهما جميعًا، ولا فرق عندنا بين آية وبعض آية، فإن الجميع يَحْرُم، ولو قال الجنب:"بسم الله"، أو "الحمد لله"، ونحو ذلك إن قَصَد به القرآن حَرُم عليه، وإن قَصَد به الذكر أو لم يَقصِد شيئًا، لم يحرُم، ويجوز للجنب والحائض أن يُجريا القرآن على قلوبهما، وأن ينظرا في المصحف، ويستحب لهما إذا أرادا الاغتسال أن يقولا:"بسم الله" على قصد الذكر.
قال الجامع عفا الله عنه: مسألة قراءة القرآن للجنب والحائض قد حقّقته في "شرح النسائيّ"، ورجّحت الجواز، وهو مذهب ابن عبّاس، وعكرمة، وسعيد بن المسيّب، والبخاريّ، والطبريّ، وابن المنذر، وحجتهم حديث عائشة - رضي الله عنها - هذا، وحجة من منع - وهم الجمهور - أحاديث كلها ضعيفة، وقد استوفيت بيانها هناك، فراجعه تستفد علمًا جمًّا (١)، والله تعالى أعلم.
قال:(واعلم): أنه يكره الذكر في حالة الجلوس على البول والغائط، وفي حالة الجماع، وقد قدمنا بيان هذا قريبًا في آخر "باب التيمم"، وبيّنا الحالة التي تُسْتَثنى منه، وذكرنا هناك اختلاف العلماء في كراهته، فعلى قول الجمهور أنه مكروه يكون الحديث مخصوصًا بما سوى هذه الأحوال، ويكون معظم المقصود أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يذكر الله تعالى متطهرًا، ومحدثًا، وجنبًا، وقائمًا، وقاعدًا، ومضطجعًا، وماشيًا. انتهى كلام النوويّ - رحمه الله -، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عائشة - رضي الله عنها - هذا من أفراد المصنّف - رحمه الله -.
[تنبيه]: قال الحافظ ابن عبد الهادي المقدسيّ في تعليقه على "علل ابن أبي حاتم": قال الحافظ أبو أحمد بن عديّ - رحمه الله - في "كتابه "الكامل" في ترجمة خالد بن سلمة الفأفاء: حدّثنا أبو عروبة، ثنا أبو كريب، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن أبيه، عن خالد بن سلمة، عن الْبَهِيّ، عن عروة، عن عائشة: "كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كل أحيانه".
(١) راجع: "ذخيرة العقبى في شرح المجتبى" ٤/ ٣٩١ - ٣٩٣.