وقيل: معناها اللزوم، من قولهم: صَلِيَ بالنار، وقيل: الاستقامةُ من قولهم: صَلَيتُ العودَ على النار: إذا قوّمته، والصلاة تُقيم العبد على طاعة ربّه، قال الله تعالى:{إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[العنكبوت: ٤٥].
وقيل: لأنها صِلَةٌ بين العبد وبين ربّه. انتهى كلام القاضي عياض - رحمه الله - (١).
وقال الراغب الأصبهانيّ - رحمه الله - في "المفردات في غريب القرآن": قال كثير من أهل اللغة: "الصلاة": هي الدعاء، والتبريك، والتمجيد، يقال: صليت عليه: أي دعوت له، وزَكَّيتُ، قال: والصلاةُ التي هي العبادة المخصوصة، أصلها الدعاء، وسُمِّيت هذه العبادة بها كتسمية الشيء باسم بعض ما يتضمنه، والصلاة من العبادات التي لم تنفك شريعة منها، وإن اختَلَفت صورها بحسب شرعٍ، فشرعٍ، ولذلك قال:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[النساء: ١٠٣].
وقال بعضهم: أصل الصلاة من الصّلاء، قال: ومعنى صَلَّى الرجل: أي أنه أزال عن نفسه بهذه العبادة الصّلاء الذي هو نار الله الموقدة، وبناءُ صلّى كبناء مَرَّضَ لإزالة المرض، ويُسَمَّى موضع العبادة الصلاة؛ لذلك سميت الكنائس صلوات، كقوله:{لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ}[الحج: ٤٠].
وكل موضع مَدَحَ الله تعالى بفعل الصلاة، أو حَثَّ عليه ذُكِر بلفظ الإقامة، نحو:{وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ}[النساء: ١٦٢]، {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}[يونس: ٨٧]، {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ}[الرعد: ٢٢]، ولم يقل: المصلين إلا في المنافقين، نحو قوله: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (٥)} [الماعون: ٤، ٥]، {وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى}[التوبة: ٥٤].
وإنما خَصَّ لفظ الإقامة تنبيهًا أن المقصود من فعلها توفية حقوقها وشرائطها، لا الإتيان بهيئتها فقط، ولهذا رُوِي أن المصلين كثير، والمقيمين لها قليل، وقوله: {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣)} [المدثر: ٤٣]، أي من أتباع النبيين، وقوله: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (٣١)} [القيامة: ٣١] تنبيهًا أنه لم يكن ممن يصلي، أي
(١) "إكمال المعلم" ٢/ ٢٣٤، وقد أنكر بعضهم بعض هذه الاشتقاقات؛ لاختلاف لام الكلمة في بعض هذه الأقوال، فلا يصحّ الاشتقاق مع اختلاف الحروف، وأجاب بعضهم بأن الاختلاف إنما يضرّ في الاشتقاق الصغير، لا في الكبير، والأكبر.