يأتي بهيئتها فضلًا عمن يقيمها، وقوله: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً} [الأنفال: ٣٥]، فتسميةُ صلاتهم مكاءً وتصدية تنبيهٌ على إبطال صلاتهم، وأن فعلهم ذلك لا اعتداد به، بل هم في ذلك كطيور تَمْكُو وتصدي. انتهى كلام الراغب - رحمه الله - في "مفردات ألفاظ القرآن" (١).
وقال ابن منظور - رحمه الله -: الصلاة الركوع والسجود، والجمع صلوات،
والصلاة: الدعاء والاستغفار، قال الأعشى [من المتقارب]:
وَصَهْبَاءَ طَاَفَ يَهُودِيُّهَا … وَأَبْرَزَهَا وَعَلَيْهَا خَتَمْ
وَقَابَلَهَا الرِّيحُ فِي دَنِّهَا … وَصَلَّى عَلَى دَنِّهَا وَارْتَسَمْ
قال: دعا لها أن لا تَحْمَضَ ولا تَفْسُدَ.
والصلاة من الله تعالى الرحمة، قال عديّ بن الرقاع [من الكامل]:
صَلَّى الإِلَهُ عَلَى امْرِيءٍ وَذَعْتُهُ … وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ وَزَادَهَا
وقال الراعي [من البسيط]:
صَلَّى عَلَى عَزَّةَ الرَّحْمَنُ وَابْنَتِهَا … لَيْلَى وَصَلَّى عَلَى جَارَاتِهَا الأُخَرِ
وصلاة الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - رَحْمَتُهُ له، وحُسْنُ ثنائه عليه، وفي حديث عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنهما - أنه قال: كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: "اللهمّ صلّ على آل فلان" فأتاه أبي بصدقته، فقال: "اللهم صَلِّ على آل أبي أوفى"، متّفقٌ عليه.
قال الأزهريّ: هذه الصلاة عندي الرحمة، ومنه قوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٥٦)} [الأحزاب: ٥٦]، فالصلاة من الملائكة دعاء واستغفارٌ، ومن الله رحمة، وبه سُمِّيت الصلاة؛ لما فيها من الدعاء والاستغفار.
وفي الحديث: "التحيات، والصلوات"، قال أبو بكر: الصلوات معناها الترحم، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}: أي يترحمون، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم صل على آل أبي أوفى": أي ترحم عليهم.
وتكون الصلاة بمعنى الدعاء، وفي الحديث: "إذا دُعي أحدكم إلى طعام
(١) "مفردات ألفاظ القرآن" ص ٤٩٢.