للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الصحابة بألفاظ مختلفة، ومعانٍ متقاربة، وهي من وجوه حسان، وهذا أحسنها.

قال الحافظ: وهذا لا يخالفه ما تقدم أن عبد الله بن زيد لَمّا قص منامه، فسمع عمر الأذان، فجاء فقال: قد رأيت؛ لأنه يُحْمَل على أنه لم يُخبر بذلك عقب إخبار عبد الله، بل متراخيًا عنه؛ لقوله: "ما منعك أن تخبرنا؟ " أي عقب إخبار عبد الله، فاعتذر بالاستحياء، فدَلّ على أنه لم يخبر بذلك على الفور، وليس في حديث أبي عمير التصريح بأن عمر كان حاضرًا عند قَصّ عبد الله رؤياه، بخلاف ما وقع في روايته التي ذُكِر بها: "فسمع عمر الصوت، فخرج، فقال"، فإنه صريح في أنه لم يكن حاضرًا عند قص عبد الله، والله أعلم. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما سبق أن الراجح في معنى قول عمر - رضي الله عنه -: "أَوَلا تبعثون رجلًا ينادي بالصلاة" هو النداء المطلق، كقوله: "الصلاة جامعة"، ونحو ذلك، لا الأذان المعروف؛ فتنبّه، والله تعالى أعلم.

(قَالَ رَسُولُ اللهِ - رضي الله عنه -: "يَا بِلَالُ، قُمْ، فَنَادِ بِالصَّلَاةِ") وفي رواية عند أبي عوانة: "فأذّن بالصلاة"، وفي رواية أبي نعيم: "يا بلال قم، فناد، فأذّن بالصلاة"، قال القاضي عياض وغيره: فيه حجة لشرع الأذان قائمًا، وكذا احتج به قبله ابن خزيمة، وابن المنذر، وتعقب ذلك النوويّ بأن المراد بقوله: "قُمْ" أي اذهب إلى موضع بارز، فناد فيه بالصلاة ليسمعك الناس، قال: وليس فيه تعرّض للقيام في حال الأذان. انتهى.

قال في "الفتح": وما نفاه ليس ببعيد من ظاهر اللفظ، فإن الصيغة محتملة للأمرين، وإن كان ما قاله أرجح.

قال الجامع عفا الله عنه: بل الأرجح عكس ما قاله؛ لكونه أوفق لظاهر اللفظ، فأيّ دليل يدلّ على صرف "قم" عن ظاهره، حتى نرجّح ما قاله؟ فالحديث ظاهر في الدلالة على مشروعيّة القيام للأذان، فتبصّر.

والحاصل أن القيام للأذان سنّة ثابتة؛ للحديث المذكور، ولحديث


(١) "الفتح" ٢/ ٩٦ - ٩٧.