مجلس آخر، فيكون الواقع الإعلام أوّلًا، ثم رأى عبد الله بن زيد الأذان، فشرعه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك؛ إما بوحي، وإما باجتهاده - صلى الله عليه وسلم - على مذهب الجمهور في جواز الاجتهاد له - صلى الله عليه وسلم -، وليس هو عملًا بمجرّد المنام، هذا ما لا يُشَكّ فيه بلا خلاف. انتهى (١).
وقال القرطبيّ - رحمه الله -: يَحْتَمِل أن يكون عبد الله بن زيد لَمّا أخبر برؤياه، وصدّقه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بادر عمر، فقال:"أوَلا تبعثون رجلًا ينادي"، أي يؤذِّن للرؤيا المذكورة، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "قُم يا بلال"، فعلى هذا فالفاء في سياق حديث ابن عمر هي الفصيحة، والتقدير: فافترقوا.، فرأى عبد الله بن زيد، فجاء إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقَصَّ عليه، فصدَّقه، فقال عمر.
وتعقّبه في "الفتح" بأن سياق حديث عبد الله بن زيد يخالف ذلك، فإن فيه أنه لَمّا قَصّ رؤياه على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال له:"أَلْقِها على بلال، فليؤَذِّن بها"، قال: فسمع عمر الصوتَ، فخرج، فأتى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: لقد رأيت مثل الذي رأى، فدلّ على أن عمر لم يكن حاضرًا لَمّا قَصّ عبد الله بن زيد رؤياه، والظاهر أن إشارة عمر بإرسال رجل ينادي للصلاة، كانت عقب المشاورة فيما يفعلونه، وأن رؤيا عبد الله بن زيد كانت بعد ذلك، والله أعلم.
وقد أخرج أبو داود بسند صحيح إلى أبي عُمير بن أنس، عن عمومته من الأنصار، قالوا: اهتَمَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - للصلاة، كيف يَجمَع الناس لها، فقيل له: انصب راية عند حضور وقت الصلاة، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضًا، فلم يعجبه … الحديث، وفيه ذَكَروا الْقُنْعَ بضم القاف، وسكون النون؛ يعني الْبُوقَ، وذكروا الناقوس، فانصرف عبد الله بن زيد وهو مُهْتَمّ، فأُري الأذان، فغدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: وكان عمر رآه قبل ذلك، فكتمه عشرين يومًا، ثم أخبر به النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال:"ما منعك أن تُخبرنا؟ "، قال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا بلال قم، فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله"، ترجم له أبو داود بدء الأذان.
وقال أبو عمر بن عبد البر: رَوَى قصةَ عبد الله بن زيد جماعة من