للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

١١ - (ومنها): مشروعيّة القيام للأذان، على ما الراجح في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "قم يا بلال"، وقال القاضي عياض - صلى الله عليه وسلم -: في الحديث حجة لشرع الأذان من قيام، وأنه لا يجوز الأذان قاعدًا، قال: وهو مذهب العلماء كافّةً إلا أبا ثور، فإنه جوّزه، ووافقه أبو الفرج المالكيّ.

وتعقّبه النوويّ، فقال: وهذا الذي قاله ضعيف لوجهين: أحدهما: أنّا قدمنا عنه أن المراد بهذا النداء الإعلام بالصلاة، لا الأذان المعروف، والثاني: أن المراد: قُمْ فاذهب إلى موضع بارز، فناد فيه بالصلاة ليسمعك الناس من البعد، وليس فيه تعرّض للقيام في حال الأذان، لكن يُحْتَجُّ للقيام في الأذان بأحاديث معروفة غير هذا.

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن احتجاج القاضي بقوله: "قم يا بلال" على القيام ظاهرٌ، وقد احتجّ به قبله ابن المنذر في "الأوسط" (١).

وكذا كون المراد من قوله: "فناد بالصلاة" الأذان المعروف هو الأظهر، كما أسلفنا تحقيقه، وأما قول عمر - رضي الله عنه -: "ينادي بالصلاة" فحمله على مطلق الإعلام هو الأقرب، والله تعالى أعلم.

قال: وأما قوله: مذهب العلماء كافة أن القيام واجبٌ، فليس كما قال، بل مذهبنا المشهور أنه سنة، فلو أذّن قاعدًا بغير عذر صح أذانه، لكن فاتته الفضيلة، وكذا لو أذّن مضطجعًا مع قدرته على القيام صحّ أذانه على الأصح؛ لأن المراد الإعلام، وقد حَصَل، ولم يثبت في اشتراط القيام شيء، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ - رحمه الله - (٢).

١٢ - (ومنها): ما قيل: سبب تخصيص بلال - رضي الله عنه - بالنداء والإعلام هو ما جاء مبينًا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما في الحديث الصحيح، حديثِ عبد الله بن زيد، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: "أَلْقِه على بلال، فإنه أندى صوتًا منك"، قيل: معناه أرفع صوتًا، وقيل: أطيب، فيؤخذ منه استحباب كون المؤذن رفيع الصوت وحسنه، وهذا متفق عليه، قال أصحابنا: فلو وجدنا مؤذنًا حسن الصوت يَطلُب على أذانه رزقًا، وآخر يتبرع بالأذان، لكنه غير حسن


(١) "الأوسط" ٣/ ١٢.
(٢) "شرح النوويّ" ٤/ ٧٧.