للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأذان، وممن كره ذلك القاسم بن عبد الرحمن، وروي عن الضحّاك بن مزاحم، وقتادة، وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رجلًا قال له: يا أبا عبد الرحمن، إني أحبّك في الله، فقال له ابن عمر: وأنا أُبغضك في الله، قال: سبحان الله أحبّك في الله، وتُبغضني في الله؟ فقال ابن عمر؛ إنك تأخذ على أذانك أجرًا.

وكره ذلك أصحاب الرأي، وقال إسحاق: لا ينبغي أن يأخذ على الأذان أجرًا.

ورخّص مالك في الأجر على الأذان، وقال: لا بأس به، وقال الأوزاعيّ: الإجارة في ذلك مكروهة، ولا بأس بأخذ الرزق من بيت المال على ذلك، ولم ير بأسًا بالمعونة على غير شرط.

وقال طائفة: لا يُرزق المؤذّن إلا من خمس الخمس، سهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا يُرزق من غيره من الفيء، ولا من الصدقات، وهكذا قال الشافعيّ.

قال ابن المنذر بعد ذكر هذه الأقوال: لا يجوز للمؤذّن أخذ الأجر على أذانه؛ لحديث عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه -، حيث أمره النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن يتّخذ مؤذّنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا (١)، قال: فإن أخذ مؤذن على أذانه أجرًا لم يسعه ذلك؛ لأن السنّة منعت منه، فإن صلّوا بأذان من أخذ على أذانه أجرًا فصلاتهم مجزئة؛ لأن الصلاة غير الأذان، وليست الإمامة كذلك، أخشى أن لا تجزئ صلاة من أمّ بجُعْل، كما رُوي عن الحسن أنه قال: أخشى أن لا تكون صلاته خالصة لله. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله ابن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ - من عدم جواز أخذ الأجرة على الأذان هو الأرجح عندي، لكن لو رُزق المؤذن من بيت المال دون المشارطة؛ لئلا تتعطّل المساجد، فالظاهر أنه لا مانع منه؛ لأنه ليس استئجارًا، وقد مال إلى هذا الشوكانيّ - رَحِمَهُ اللهُ -، وقد ذكرت المسألة بأتمّ مما هنا في "شرح النسائيّ"، فراجعه تستفد (٣)، والله تعالى أعلم بالصوِاب، وإليه المرجع والمآب.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.


(١) حديث صحيح أخرجه أحمد، وأصحاب السنن.
(٢) "الأوسط" ٣/ ٦٢ - ٦٤.
(٣) راجع: "ذخيرة العقبى" ٨/ ٢٧٣ - ٢٧٦.