للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النبيّ - صلى الله عليه وسلم - رَجَع بعد الفتح إلى المدينة، وأقَرّ بلالًا على إفراد الإقامة، وعَلَّمه سَعْدَ الْقَرَظ، فأذَّن به بعده كما رواه الدارقطنيّ، والحاكم.

وقال ابن عبد البر: ذهب أحمد، وإسحاق، وداود، وابن جرير إلى أن ذلك من الاختلاف المباح، فإن رَبَّع التكبير الأول في الأذان، أو ثَنّاه، أو رَجَّع في التشهد، أو لم يرجِّع، أو ثنى الإقامة، أو أفردها كلها، أو إلا "قد قامت الصلاة"، فالجميع جائز، وعن ابن خزيمة إن رَبَّع الأذان، ورَجَّع فيه، ثَنَّى الإقامة، وإلا أفردها، وقيل: لم يقل بهذا التفصيل أحد قبله، والله أعلم، قاله في "الفتح" (١).

٤ - (ومنها): ما قيل: الحكمةُ في تثنية الأذان وإفراد الإقامة، أن الأذان لإعلام الغائبين، فيكرر ليكون أوصل إليهم، بخلاف الإقامة، فإنها للحاضرين، ومن ثَمَّ استُحِبّ أن يكون الأذان في مكانٍ عالٍ، بخلاف الإقامة، وأن يكون الصوت في الأذان أرفع منه في الإقامة، وأن يكون الأذان مرتَّلًا، والإقامة مُسْرَعَةً، وكُرِّر "قد قامت الصلاة"؛ لأنها المقصودة من الإقامة بالذات.

وهذا توجيهه ظاهرٌ، وأما قول الخطابيّ: لو سُوِّي بينهما لاشتبه الأمر عند ذلك، وفاتت صلاة الجماعة كثيرًا من الناس ففيه نظر؛ لأن الأذان يُستَحَبّ أن يكون على مكان عالٍ لتشترك الأسماع كما تقدم، فلا اشتباه، أفاده في "الفتح" (٢)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في كيفيّة الأذان:

قال الإمام ابن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ -: اختلفوا في سنّة الأذان، فقال مالك والشافعيّ، ومن تبعهما من أهل الحجاز: الأذان أذان أبي محذورة، لم يختلفا في ذلك إلا في أول الأذان، فإن مالكًا يرى أن يقال: "الله أكبر الله أكبر" مرّتين، والشافعيّ يرى أن يكبّر المؤذّن في أول الأذان أربعًا: "الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر"، واتّفقا في سائر الأذان.

وحجّتهما في ذلك الأخبار التي رُويت عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في تعليمه أبا محذورة - رضي الله عنه - الأذان، وقال قائلهم: أَمرُ الأذان من الأمور المشهورة التي


(١) "الفتح" ٢/ ١٠٠ - ١٠١.
(٢) "الفتح" ٢/ ١٠١.