يُستَغنَى بشهرتها بالحجاز، يتوارثونه قرنًا بعد قرن، يأخذه الأصاغر عن الأكابر، وليس يجوز أن يُعترَضَ عليهم في الأذان، وهو ينادى به بين أظهرهم في كلّ يوم وليلة خمس مرّات، ولو جاز ذلك لجاز الاعتراض عليهم في معرفة الصفا والمروة، ومنى، وعرفة، والمزدلفة، وموضع الوقوف بعرفة، مع أن الأذان كذلك كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وخلافة أبي بكر وعمر، لا يختلف أهل الحرمين فيه، وغير جائز أن يُجعل اعتراض من اعترض من أهل العراق حجةً على أهل الحجاز، وكيف يجوز أن يكون الآخر حجةً على الأول، وعنه أَخَذَ العلمَ؟ وقد كان الأذان بالحجاز، ولا إسلام بالعراق، وحكاية أبي محذورة بعد خبر عبد الله بن زيد بزمان؛ لأنه يُخبر أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - علَّمه إياه عامَ حنين، والمتأخِّر هو الناسخ لما تقدَّم، والآخر من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى من الأول.
قال ابن المنذر: وقد كان أحمد بن حنبل يميل إلى أذان بلال، فقيل له: أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد؛ قال: أليس قد رجع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، فأقرَّ بلالًا على أذان عبد الله بن زيد؟.
وقال بعضهم: هذا من أبواب الإباحة إن شاء المؤذّن أذّن كأذان أبي محذورة، وثنَّى الإقامة، وإن شاء أن يثنّي الأذان ويوتر الإقامة فَعَلَ؛ لأن الأخبار قد ثَبتت بذلك، قالوا: هذا مثل الوضوء، من شاء توضّأ ثلاثًا، ومن شاء توضّا مرتين مرّتين، وقد أجاب أحمد بمثل هذا المعنى، ووافقه عليه إسحاق، وقال أحمد: ثبت عن بلال وأبي محذورة أذانهما، وكلّ سنّة، فهما مستعملان جميعًا، والذي نختار أذان بلال.
فأما سفيان الثوريّ، وأصحاب الرأي، فمذهبهم في الأذان أنه مثنى مثنى على حديث عبد الله بن زيد، وكذلك قولهم في الإقامة: إنها مثنى مثنى. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: عندي الأرجح ما سبق عن الإمامين: أحمد وإسحاق بأن كلّ ما ثبت عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من حديث عبد الله بن زيد، وأبي