وعورض بأن في بعض طُرُق حديث أبي محذورة المحسنة التربيع والترجيع، فكان يلزمهم القول به.
وقد أنكر أحمد على من ادَّعَى النسخ بحديث أبي محذورة، واحتج بأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - رجع بعد الفتح إلى المدينة، وأقرّ بلالًا على إفراد الإقامة، وعَلَّمه سعد القرظ، فأذَّن به بعده، كما رواه الدارقطنيّ والحاكم.
وقال ابن عبد البرّ: ذهب أحمد، وإسحاق، وداود، وابن جرير إلى أن ذلك من الاختلاف المباح، فإن رَبَّع التكبير الأول في الأذان، أو ثنّاه، أو رَجَّع في التشهد، أو لم يُرَجّع، أو ثَنَّى الإقامة، أو أفردها كلَّها، أو إلا "قد قامت الصلاة"، فالجميع جائز، وعن ابن خزيمة: إن رَبَّع الأذان، ورَجَّع فيه ثَنَّى الإقامة، وإلا أفردها، وقيل: لم يقل بهذا التفصيل أحدٌ قبله. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن مما سبق من بيان المذاهب، وأدلّتها أن أرجح المذاهب مذهب من قال: إن الأمر فيه سعة، وكلّ ما صحّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجوز العمل به، فمن شاء ثنّى الإقامة، ومن شاء أفرد، وكلٌّ واسع - والحمد لله - وبهذا يجمع بين أخبار هذا الباب دون دعوى النسخ بلا بيّنة، لكن قدّمنا أن هذا لا ينافي أن يتخيّر الإنسان في معظم الأوقات ما هو أصحّ، وأقوى من هذه الأخبار حتى يعمل به أكثر؛ فتنبّه، ولا تكن من الغافلين، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج - رَحِمَهُ اللهُ - المذكور أولَ الكتاب قال: