للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لم يزل ولد سعد القرَظ (١) يؤذّن به، ويذكرون أنه أذان بلال وسعد.

وأما الإقامة، فقد اختُلف فيها عنه، فرُوي عنه أنه كان يُفرد الإقامة بعد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (٢)، ورُوي أن إقامته كانت مئنى مثنى، فغير جائز أن يكون أبو محذورة انتقل عن تثنية الإقامة إلى إفرادها إلا وقد عَلِمَ أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمر بإفراد الإقامة، أو رأى بلالًا بعد ذلك يُفرد الإقامة، فعَلِمَ أن ذلك ليس إلا عن أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فانتقل إليه، ثم اتّفاق ولد أبي محذورة، وولد سعد القرظ عليه، وحكايتهم ذلك عن جدّيهما سعد القرظ عن بلال دليلٌ على أن الأمر بعد الإقامة حادثٌ بعد التثنية، ولا يجوز أن يجتمع مثل هؤلاء على خلاف السنّة.

قال: ثم اختلف هؤلاء بعد اجتماعهم على إفراد الإقامة في قوله: "قد قامت الصلاة"، فولد أبي محذورة، وسائر مؤذّن مكة يقولون: "قد قامت الصلاة" مرّتين، وولد سعد القرظ يقولون: "قد قامت الصلاة" مرّةً واحدةً، وقد اختلفت الأخبار في ذلك، غير أن الأخبار التي تدلّ على صحّة مذهب أهل مكّة أثبتُّ، ثم أخرج حديث أنس - صلى الله عليه وسلم - المتقدّم، وفيه: "ويوتر الإقامة إلا قد قامت الصلاة"، وأخرج أيضًا عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كان الأذان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثنى مثنى، والإقامة واحدة، غير أن يقول: "قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة" مرّتين. انتهى كلام ابن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ - (٣).

وقال في "الفتح": هذا الحديث - يعني حديث أنس - رضي الله عنه - المذكور - حجة على من زعم أن الإقامة مثنى مثل الأذان، وأجاب بعض الحنفية بدعوى النسخ، وأن إفراد الإقامة كان أوّلًا، ثم نُسِخ بحديث أبي محذورة؛ يعني الذي رواه أصحاب السنن، وفيه تثنية الإقامة، وهو متأخر عن حديث أنس، فيكون ناسخًا.


(١) قال في "الفاموس" (٢/ ٣٩٨): سعد القرظ الصحابيّ تَجِرَ فيه، فربِحَ، فلزمه، فأضيف إليه. انتهى.
(٢) قال في "الفتح" (٢/ ١٠٠): وروى الدارقطنيّ، وحسّنه في حديث لأبي محذورة: "وأمره أن يُقيم واحدةً واحدةً". انتهى.
(٣) "الأوسط" ٣/ ١٧ - ٢٠.