للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال ابن منظور - رَحِمَهُ اللهُ -: "الشهادة": خبرٌ قاطعٌ، تقول منه: شَهِدَ الرجلُ على كذا، وربما قالوا: شَهْدَ الرجل بسكون الهاء للتخفيف، قاله الأخفش، وقولهم: أَشْهَدُ بكذا: أي أَحْلِف.

وقال أبو بكر بن الأنباريّ في قول المؤذن: "أشهد أن لا إله إلا الله": أعلم أن لا إله إلا الله، وأُبَيِّنُ أن لا إله إلا الله، قال: وقوله: "أشهد أن محمدًا رسول الله": أَعْلَمُ وأُبَيِّنُ أن محمدًا رسول الله، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران: ١٨] قال أبو عبيدة: معنى {شَهِدَ اللَّهُ}: قَضَى اللهُ أنه لا إله إلا هو، وحقيقته عَلِمَ اللهُ وبَيَّنَ الله، لأن الشاهد هو العالم الذي يُبَيِّن ما علمه، فالله قد دَلّ على توحيده بجميع ما خَلَق، فبَيَّن أنه لا يقدر أحد أن يُنشئ شيئًا واحدًا مما أنشأ، وشَهِدت الملائكة لِمَا عاينت من عظيم قدرته، وشَهِد أولو العلم بما ثبت عندهم، وتبَيَّن من خلقه الذي لا يَقدِر عليه غيره.

وقال أبو العباس: شَهِدَ الله: بَيَّن الله وأظهر، وشَهِدَ الشاهد عند الحاكم: أي بَيَّن ما يعلمه وأظهره، يدُلّ على ذلك.

وسأل المنذريُّ أحمدَ بن يحيى عن قول الله - عَزَّ وَجَلَّ -: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} فقال: كلُّ ما كان "شهد الله"، فإنه بمعنى عَلِمَ الله، قال: وقال ابنُ الأعرابيّ: معناه: قال الله، ويكون معناه: عَلِمَ الله، ويكون معناه: كَتَب الله، وقال ابنُ الأنباريّ: معناه: بَيَّن الله أن لا إله إلا هو. انتهى (١).

وقال ابن باطيش (٢) في "المغني": قوله: "أشهد": أصلها أنها خبر، وهي هنا خاصّ بالحال، وإن شاركه في لفظه المستقبل، لأن المتلفّظ به سَيُقطَع بإسلامه عقب قوله، ولو كان مستقبَلًا لما قُطع به، فإنه يكون وعدًا بالشهادة. انتهى (٣).

(أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) كرّر للتوكيد (أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ) أي


(١) لسان العرب ٣/ ٢٣٩.
(٢) هو: عماد الدين أبو المجد إسماعيل بن أبي البركات بن باطيش الموصليّ (٥٧٥ - ٦٥٥ هـ) له كتاب "المغني في الإنباء عن غريب المهذّب والأسماء".
(٣) "المغني في الإنباء عن غريب المهذَّب والأسماء" ١/ ٨٥ - ٨٦.