٣ - (ومنها): بيان فضل أبي محذورة - رضي الله عنه - حيث لقّنه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الأذان بنفسه، وولّاه إياه في مكّة، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم الترجيع:
قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وفي هذا الحديث حجة بينةٌ، ودلالة واضحة لمذهب مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء أن الترجيع في الأذان ثابت مشروع، وهو الْعَودُ إلى الشهادتين مرتين برفع الصوت، بعد قولهما مرتين بخفض الصوت، وقال أبو حنيفة والكوفيون: لا يُشْرَع الترجيع؛ عملًا بحديث عبد الله بن زيد، فإنه ليس فيه ترجيع، وحجة الجمهور هذا الحديث الصحيح، والزيادة مقدَّمةٌ، مع أن حديث أبي محذورة هذا متأخرٌ عن حديث عبد الله بن زيد، فإن حديث أبي محذورة سنة ثمان من الهجرة بعد حنين، وحديث عبد الله بن زيد في أول الأمر، وانضمّ إلى هذا كلِّه عمل أهل مكة والمدينة، وسائر الأمصار، وبالله تعالى التوفيق.
قال: واختَلَف أصحابنا - يعني الشافعيّة - في الترجيع، هل هو ركن لا يصحّ الأذان إلا به، أم هو سنة، ليس ركنًا، حتى لو تركه صحّ الأذان، مع فوات كمال الفضيلة؟ على وجهين: والأصح عندهم أنه سنة، وقد ذهب جماعة من المحدثين وغيرهم إلى التخيير بين فعل الترجيع وتركه، والصواب إثباته. انتهى كلام النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -.
قال الجامع عفا الله عنه: قد علمت أن الأرجح ما ذهب إليه جماعة من المحدّثين من التخيير؛ لصحّة كلّ من الترجيع وعدمه؛ كإفراد الإقامة، وتثنيتها، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: احتجَّ الجمهور على مشروعية الترجيع وثبوته بروايات أبي محذورة - رضي الله عنه -، وهي نصوص صريحة فيه:
(فمنها): ما أخرجه المصنّف - رَحِمَهُ اللهُ - هنا.
(ومنها): ما رواه الترمذيّ (١٩١) حدَّثنا بشر بن معاذ البصريّ، حدّثنا إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، قال: أخبرني أبي وجدّي جميعًا عن أبي محذورة "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقعده، وألقى عليه الأذان حرفًا حرفًا"، قال إبراهيم: مثل أذاننا، قال بشر: فقلت له: أَعِدْ عليّ، فوصف