خلاصته أن أدلّة ثبوت الترجيع واضحة كالشمس في رابعة النهار، حتى اعترف بها المعارضون لها من متعصّبي الحنفيّة، إلا أن التعصّب أعماهم، فتكلّفوا التأويلات الزائفة، قاتل الله التعصّب، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في عدد كلمات الأذان:
ذهب الشافعيّة وطائفة من العلماء إلى أن الأذان تسع عشرة كلمةً، واحتجّوا بحديث أبي محذورة - رضي الله عنه - المذكور في الباب، وقالوا: العمل به مقدّم لأن فيه زيادةً، وزيادة الثقة مقبولة، ولأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لقّنه إياه بنفسه.
وذهب أبو حنيفة، والثوريّ، وأحمد بن حنبل إلى أنه خمس عشرة كلمة، واحتجّوا بحديث عبد الله بن زيد - رضي الله عنه -.
وذهب مالك إلى أنه سبع عشرة كلمة؛ لعدم التربيع في أوله.
قال العلامة ابن رشد - رَحِمَهُ اللهُ - في كتابه "بداية المجتهد":
اختلف العلماء في الأذان على أربع صفات مشهورة:
[إحداها]: تثنية التكبير فيه، وتربيع الشهادتين، وباقيه مثنى، وهو مذهب أهل المدينة، مالك وغيره، واختار المتأخرون من أصحاب مالك الترجيع، وهو أن يُثَنِّي الشهادتين أوّلًا خفيًّا، ثم يُثَنِّيهما مرةً ثانية، مرفوعَ الصوت.
[والصفة الثانية]: أذان المكيين، وبه قال الشافعيّ، وهو تربيع التكبير الأول، والشهادتين، وتثنية باقي الأذان.
[والصفة الثالثة]: أذان الكوفيين، وهو تربيع التكبير الأول، وتثنية باقي الأذان، وبه قال أبو حنيفة.
[والصفة الرابعة]: أذان البصريين، وهو تربيع التكبير الأول، وتثليث الشهادتين، و"حي على الصلاة"، و"حي على الفلاح"، يبدأ بـ "أشهد أن لا إله إلا الله" حتى يصل إلى "حي على الفلاح"، ثم يُعِيد كذلك مرة ثانية، أعني الأربع كلمات تبعًا، ثم يعيدهن ثالثةً، وبه قال الحسن البصريّ، وابن سيرين.
والسبب في اختلاف هؤلاء الفرق الأربع اختلاف الآثار في ذلك، واختلاف اتّصال العمل عند كل واحد منهم، وذلك أن المدنيين يَحتجون لمذهبهم بالعمل المتصل بذلك في المدينة، والمكيون كذلك أيضًا يحتجون