(المسألة الخامسة):
في دفع الاستشكال الوارد على هذا الحديث، وذلك أنّ مقتضاه قتال كل من امتنع من التوحيد، فكيف تُرِكَ قتال مؤدي الجزية والمعاهد؟
[فالجواب]: من أوجه:
[أحدها]: دعوى النسخ، بأن يكون الإذن بأخذ الجزية والمعاهدة متأخرًا عن هذه الأحاديث، بدليل أنه متأخر عن قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥].
[ثانيها]: أن يكون من العام الذي خُصّ منه البعض؛ لأن المقصود من الأمر حصول المطلوب، فإذا تخلف البعض لدليل لم يقدح في العموم.
[ثالثها]: أن يكون من العام الذي أريد به الخاصّ، فيكون المراد بالناس في قوله: "أقاتل الناس": أي المشركين من غير أهل الكتاب، ويدل عليه رواية النسائيّ بلفظ: "أُمرت أن أقاتل المشركين".
(فإن قيل): إذا تَمَّ هذا في أهل الجزية، لم يتم في المعاهدين، ولا فيمن مَنَعَ الجزية.
(أجيب): بأن الممتنع في ترك المقاتلة رَفْعُها، لا تأخيرها مدةً، كما في الهدنة، ومقاتلةِ من امتنع من أداء الجزية، بدليل الآية.
[رابعها]: أن يكون المراد بما ذُكِرَ من الشهادة وغيرها التعبير عن إعلاء كلمة الله، وإذعان المخالفين، فيحصل في بعضٍ بالقتل، وفي بعض بالجزية، وفي بعض بالمعاهدة.
[خامسها]: أن يكون المراد بالقتال هو أو ما يقوم مقامه، من جزية، أو غيرها.
[سادسها]: أن يقال: الغرض من ضرب الجزية اضطرارهم إلى الإسلام، وسببُ السبب سببٌ، فكأنه قال: حتى يُسلِموا، أو يلتزموا ما يُؤَدِّيهم إلى الإسلام، وهذا أحسن، ويأتي فيه ما في الثالث، وهو آخر الأجوبة، ذكر هذا كلّه في "الفتح" (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: أقربُ الأجوبة عندي هو الثالث، فكأنه
(١) راجع: "الفتح" ١/ ٩٧.