للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: "أمرت أن أقاتل جميع الناس، إلا الذين أخرجتهم الأدلة من وجوب مقاتلتهم، ممن كان من أهل الجزية، أو نحوها، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة):

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في شرح هذا الحديث: وقد رُوي عن سفيان بن عيينة أنه قال: كان هذا في أول الإسلام قبل فَرْض الصلاة، والصيام، والزكاة والهجرة، وهذا ضعيف جدًّا، وفي صحته عن سفيان نظرٌ؛ فإن رواة هذه الأحاديث، إنما صحِبُوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المدينة، وبعضهم تأخر إسلامه، ثم قوله: "عَصَمُوا مني دماءهم وأموالهم" يدل على أنه كان عند هذا القول مأمورًا بالقتال، ويَقتُل من أبي الإسلام، وهذا كله بعد هجرته إلى المدينة، ومن المعلوم بالضرورة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل مِن كل مَن جاءه يريد الدخول في الإسلام الشهادتين فقط، ويَعْصِم دمه بذلك، ويجعله مسلمًا، فقد أنكر على أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قتله لمن قال: "لا إله إلا الله" لَمّا رَفَع عليه السيف، واشتد نكيره عليه.

ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يشترط على من جاءه يريد الإسلام أن يلتزم الصلاة والزكاة، بل قد رُوي أنه قَبِلَ مِن قومٍ الإسلامَ، واشترطوا أن لا يُزَكُّوا، ففي "مسند الإمام أحمد" عن جبار - رضي الله عنه - قال: اشتَرَطَت ثقيفٌ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا صدقة عليهم، ولا جهاد، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "سيتصدقون، ويجاهدون" (١).

وفيه أيضًا: عن نصر بن عاصم الليثيّ، عن رجل منهم، أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسلم على أن لا يُصَلِّي إلا صلاتين، فقبل منه (٢).

وأخذ الإمام أحمد رحمه الله تعالى بهذه الأحاديث، وقال: يصح الإسلام على الشرط الفاسد، ثم يُلْزَم بشرائع الإسلام كلها، واستَدَلَّ أيضًا بأن


(١) رواه أحمد ٣/ ٣٤١ وفي سنده ابن لَهِيعة، وفيه كلام مشهور.
(٢) رواه أحمد ٣/ ٤٠٢ والطيالسيّ (١٣٦٠) والنسائيّ ٢/ ٢٠٥ والطحاويّ في "شرح مشكل الآثار" برقم (٢٠٤)، وإسناده صحيح.