وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أقام الأذان موضع الضمير؛ إشعارًا بأن من حقّ الأذان، وكونه من الدين الأمانُ، وأن لا يُتَعَرَّضَ أهله، ولا يُغار عليهم. انتهى.
وحاصل ذلك أن القوم الذين سُمع منهم الأذان إما أن يكونوا مسلمين أو مسالمين للمسلمين، وذلك بأن يقع بينهم وبين المسلمين الصلح بتركهم المسلمين بين أظهرهم يقيمون شعائر دينهم، فإذا كانوا كذلك وجب الكفّ عنهم، وإلا حقّ للمسلمين أن يقاتلوهم، كما قال:(وَإِلَّا) أي وإن لم يسمع الأذان (أَغَارَ) أي هَجَم على تلك البلدة، قال القاضي عياضٌ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أي كان -صلى اللَّه عليه وسلم- يتثبّت فيه، ويحتاط في الإغارة حَذَرًا عن أن يكون فيهم مؤمنٌ، فيُغير عليه غافلًا عنه، جاهلًا بحاله. انتهى.
[تنبيه]: "إلا" هذه ليست من أدوات الاستثناء، وإنما هي "إن" الشرطيّة أدغمت في لام "لا" النافية، فكُتبت باللام، وإنما نبّهت عليه؛ لأن بعض المغفّلين يظنّها "إلا" الاستثنائيّة، فيسأل عن المستثنى، والمستثنى منه، بل رأيت بعضهم وقع في مثل هذا.
قال ابن هشام الأنصاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "مغني اللبيب": ليست من أقسام "إلا" التي في قوله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ}، وإنما هذه كلمتان "إن" الشرطيّة، و"لا" النافية، ومن العجب أن ابن مالك على إمامته ذكرها في "شرح التسهيل" من أقسام "إلا". انتهى (١).
(فَسَمِعَ) الفاء فصيحيّة، أي ولَمّا كان من عادته -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يستمع الأذان قبل الإغارة استمع، فسمِع (رَجُلًا) لم أَرَ من سمّى الرجل، ولا في أيّ غزوة كانت قصّته؟، فيحتمل أن تكون في غزوة خيبر، كما هو نصّ رواية البخاريّ الآتية، ويحتمل أن تكون في غيرها، واللَّه تعالى أعلم.
(يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عَلَى الْفِطْرَةِ") متعلّق بفعل مقدَّر؛ أي أوقعتها على الفطرة، أو بخبر لمبتدأ مقدّر، أي أنت أو هو