للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) -رضي اللَّه عنه- (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ) قال الصنعانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أي نداء المؤذّن، يدلّ عليه رواية: "إذا سمعتم النداء"، وقيّده البرماويّ بما إذا سمعتم قول المؤذّن، أو صوت المؤذّن، فيعمّ الأذان والإقامة، غير أنه يقول عند قوله: "قد قامت الصلاة" أقامها اللَّه وأدامها، قال الصنعانيّ: وفيه بُعد. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: أما قوله: "فيعمّ الأذان والإقامة"، فهو الظاهر من الحديث؛ إذ الإقامة يُطلق عليها الأذان، كقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بين كلّ أذانين صلاة"، فيقول من سمع المؤذّن يقيم ما يقول.

وأما قوله: "أقامها اللَّه، وأدامها" فمما لا دليل عليه، واللَّه تعالى أعلم.

ثم ظاهره اختصاص الإجابة بمن يَسْمَع، حتى لو رأى المؤذِّن على الْمَنَارة مثلًا في الوقت، وعَلِم أنه يؤذن، لكن لم يسمع أذانه لبعدٍ، أو صَمَمٍ لا تُشْرَع له المتابعة؛ لأن المتابعة معلّقة بالسماع، والحديث صريح باشتراطه، وقياسًا على العاطس، فإنه لا يُشرع إلا من يسمع تحميده، قاله النوويّ في "شرح المهذب" (١).

(فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ) "مثلَ" منصوبٌ على أنه صفة لمصدر محذوف، أي قولوا قولًا مثل ما يقول، أو مفعول مطلق على النيابة؛ لأن الصفة إذا قامت مقام الموصوف المحذوف تُعرَب مفعولًا مطلقًا، وكلمة "ما" مصدريّةٌ، أي مثلَ قول المؤذّن، أو موصولة، والعائد محذوف؛ أي مثل الذي يقوله.

و"الْمِثْلُ": هو النظير، يقال: مِثْلٌ -بكسر، فسكون- ومَثَلٌ -بفتحتين- ومَثِيلٌ -بفتح، فكسر- مثل: شِبْهٍ، وشَبَهٍ، وشَبِيهٍ، والمماثلة بين الشيئين: اتّحادهما في النوع؛ كزيد وعمرو في الإنسانيّة، أفاده في "العمدة" (٢).

وقال في "الفتح": في الحديث دليلٌ على أن لفظ "المثل" لا يقتضي المساواة من كل جهة؛ لأن قوله: "مثل ما يقول" لا يُقْصَد به رفع الصوت المطلوب من المؤذّن، كذا قيل، وفيه بحثٌ؛ لأن المماثلة وقعت في القول، لا في صفته. والفرق بين المؤذن والمجيب في ذلك، أن المؤذن مقصوده


(١) "المجموع" ٣/ ١٢٧.
(٢) "عمدة القاري" ٥/ ١١٨.