للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذلك بواحد من الشياطين دون واحد، والشيطانُ كلُّ عات مُتَمرِّد، سواء كان من الجنّ أو الإنس، أو الدوابّ، لكن المراد هنا شياطين الجنّ خاصةً، ويحتمل أن يختص ذلك بالشيطان الأكبر، وهو إبليس لعنه اللَّه. انتهى (١).

(لَهُ ضُرَاطٌ) جملة اسمية وقعت حالًا بدون واو، ووقع في بعض النسخ: "وله ضراط" بالواو، والجملة الحاليّة تُربط بالضمير، أو بالواو، أو بهما، قال ابن مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "خلاصته" مبيّنًا ذلك:

وَمَوْضِعَ الْحَالِ تَجِيءُ جُمْلَهْ … كَـ "جَاءَ زَيْدٌ وَهْوَ نَاوٍ رِحْلَهْ"

وَذَاتُ بَدْءٍ بِمُضَارعٍ ثَبَتْ … حَوَتْ ضَمِيرًا وَمِنَ الْوَاوِ خَلَتْ

وَذَاتُ وَاوٍ بَعْدَهَا انْوِ مُبْتَدَا … لَهُ الْمُضَارِعَ اجْعَلَنَّ مُسْنَدَا

وَجُمْلَةُ الْحَالِ سِوَى مَا قُدِّمَا … بِوَاوٍ أَوْ بِمُضْمَرٍ أَوْ بِهِمَا

قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يمكن حمله على ظاهره؛ لأنه جسم مُتَغَذّ يصح منه خروج الريح، ويَحْتَمِل أنها عبارة عن شِدّة نِفَاره، ويقويه رواية مسلم المتقدّمة: "له حُصَاص" بمهملات مضموم الأول، فقد فسره الأصمعي وغيره بشدة العدو.

وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: شَبَّهَ شَغْلَ الشيطان نفسه عن سماع الأذان بالصوت الذي يَملأ السمع، ويمنعه عن سماع غيره، ثم سماه ضُرَاطًا؛ تقبيحًا له. انتهى (٢).

وقال العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ويَحْتمل أنها عبارة عن الاستخفاف. انتهى (٣).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذه الاحتمالات التي ذكروها من حمل الضُّرَاط هنا على التشبيه أو غيره، غير صحيحة، والصواب أنه على الحقيقة، كما هو الاحتمال الذي ذكره عياض أوّلًا، فأيّ مانع منع من ذلك، وأيُّ داع إلى صرف ظاهر النصّ عنه، وما ذكره في "الفتح" من تقوية رواية مسلم: "وله حُصَاص" ليس كما قال؛ لأن أهل اللغة فسّروا الْحُصَاص بالضُّراط، فهما بمعنى، وتفسير الأصمعي، لا ينافيه؛ لأنه يعدو مع ضُراطه، فهو مما يقوّي


(١) "طرح التثريب" ٢/ ٢٠٣.
(٢) "الفتح" ٢/ ٨٥.
(٣) "طرح التثريب" ٢/ ٢٠٢.