للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأُجيب بأن الإعلان أخصّ من الاتفاق، فإن الإعلان المختص بالأذان لا يشاركه فيه غيره من الجهر بالتكبير والتلاوة مثلًا، ولهذا قال لعبد اللَّه بن زيد: ألقه على بلال، فإنه أندى صوتًا منك؛ أي أقعد في المدّ والإطالة والإسماع؛ ليعم الصوت، ويطول أمد التأذين، فيكثر الجمع، ويفوت على الشيطان مقصوده من إلهاء الآدميّ عن إقامة الصلاة في جماعة، أو إخراجها عن وقتها، أو وقت فضيلتها، فيفر حينئذ، وقد ييأس عن أن يردّهم عما أَعلنوا به، ثم يرجع لِمَا طُبع عليه من الأذى والوسوسة.

وقال ابن الجوزيّ: على الأذان هيبة يشتدّ انزعاج الشيطان بسببها؛ لأنه لا يكاد يقع في الأذان رياء ولا غفلة عند النطق به، بخلاف الصلاة، فإن النفس تحضر فيها، فيفتح لها الشيطان أبواب الوسوسة، وقد ترجم عليه أبو عوانة: "الدليلُ على أن المؤذِّن في أذانه وإقامته منفي عنه الوسوسة والرياء؛ لتباعد الشيطان منه"، وقيل: لأن الأذان إعلام بالصلاة التي هي أفضل الأعمال بألفاظ، هي من أفضل الذكر، لا يزاد فيها ولا يُنقص منها، بل تقع على وفق الأمر، فيفرّ من سماعها، وأما الصلاة فلِمَا يقع من كثير من الناس فيها من التفريط، فيتمكن الخبيث من المفرِّط، فلو قُدِّر أن المصلي وَفّى بجميع ما أُمر به فيها لم يقربه إذا كان وحده، وهو نادرٌ، وكذا إذا انضم إليه من هو مثله، فإنه يكون أندر، أشار إليه ابن أبي جمرة -رَحِمَهُ اللَّهُ-. انتهى (١).

[تنبيه]: قال في "الفتح": وردت في فضل الأذان أحاديثُ كثيرة، ذكر البخاريّ بعضها في مواضع أخرى، واقتصر على هذا هنا؛ لأن هذا الخبر تَضَمَّن فضلًا لا يُنال بغير الأذان، بخلاف غيره من الأخبار، فإن الثواب المذكور فيها يُدرَك بأنواع أخرى من العبادات. انتهى (٢)، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج -رَحِمَهُ اللَّهُ- المذكور أولَ الكتاب قال:

[٨٦٦] (. . .) - (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ،


(١) "الفتح" ٢/ ١٠٣ - ١٠٤.
(٢) "الفتح" ٢/ ١٠٤.