للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال ابن عبد البر: إنما يفعل ذلك لِمَا يلحقه من الذُّعْر والخزي عند ذكر اللَّه، وذكرُ اللَّه تعالى في الأذان تَفْزَع منه القلوب ما لا تفزع من شيء من الذكر؛ لما فيه من الجهر بالذكر، وتعظيم اللَّه تعالى فيه، وإقامة دينه، فيدبر الشيطان؛ لشدّة ذلك على قلبه. انتهى.

وقال بعضهم: سبب إدباره عِظَم أمر الأذان؛ لما اشتمل عليه من قواعد التوحيد، وإظهار شعار الإسلام وإعلانه، وقيل: ليأسه من الوسوسة عند الإعلان بالتوحيد، وقيل: لأنه دعاء إلى الصلاة التي فيها السجود الذي امتنع من فعله لَمّا أُمر به، قال ابن بطال: وليس بشيء؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أخبر أنه إذا قُضِي التثويب أقبل يُذَكِّره ما لم يَذكُر، يَخْلِط عليه صلاته، وكان فراره من الصلاة التي فيها السجود أولى لو كان كما زعموا. انتهى.

قال القاضي عياض: ولا يلزم هذا الاعتراض؛ إذ لَعَلَّ نِفَاره إنما كان من سماع الأمر والدعاء بذلك، لا من رؤيته ليغالط نفسه أنه لم يسمع دعاءً، ولا خالف أمرًا.

قال العراقيّ: أحسنُ ما ذكره القاضي عياض في جواب اعتراض ابن بطال أن نفرته عند الأذان إنما هو تصميم على مخالفة أمر اللَّه، واستمرار على معصيته، وعدم الانقياد إليه، والاستخفاف بأوامره، فإذا دعا داعي اللَّه فَرَّ منه وأعرض عنه، واستخفّ به، فإذا حضرت الصلاة حضر مع المصلين، غير مشارك لهم في الصلاة، بل ساعيًا في إبطالها عليهم، وهذا أبلغ في المعصية والاستخفاف مما لو غاب عن الصلاة بالكلية، فصار حضوره عند الصلاة من جنس نفرته عند الأذان، ومن مَهْيَعٍ واحد، ومقصوده. بالأمرين الاستخفاف بأوامر اللَّه تعالى، وعدم الانقياد إليها، كما ذكرته، واللَّه أعلم. انتهى كلام العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

وقال في "الفتح" بعد ذكر نحو ما تقدّم: "وقيل: إنما يهرب لاتفاق الجميع على الإعلان بشهادة الحق، وإقامة الشريعة.

واعتُرِض بأن الاتفاق على ذلك حاصل قبل الأذان وبعده من جميع من يصلي.


(١) "طرح التثريب في شرح التقريب" ٢/ ٢٠١ - ٢٠٢.